نهاد المشنوق... من الاعتدال الحريري إلى الشحن المذهبي!
*بسام سامي ضو
يشكل النائب نهاد المشنوق نموذجاً فاقعاً للسياسي اللبناني "الطامع" - وليس الطامح - إلى منصبٍ وموقع يسعى إلى بلوغه في كل مرة باللغة التي تستدعيها الظروف والأوضاع المحلية والإقليمية!
المفاجئ في هذا الرجل كشفه عن أكثر من شخصية: الأولى سبقت دخوله نعيم "السلطة" في لبنان، كان خلالها صحافياً ومثقفاً جريئاً له مواقفه الصريحة تجاه تركيبة النظام الأمني السياسي الذي كان سائداً أيام سلطة الوصاية، وبروزه لاحقاً كأحد "صقور" 14 آذار.
الشخصية الثانية تمظهرت بشكلٍ فاضح غداة توليه حقيبة وزارة الداخلية في العام 2014 وإطلاقه جملته الشهيرة: "إنت عارف حالك مع مين عم تحكي؟" متوجّهاً بها إلى مواطنٍ لبناني خالف توجيهات الوزارة!
وإذا كانت شخصية المشنوق الأولى موضع تقدير، والثانية مصدر تهكّم، فإنّ شخصيته الثالثة مثيرة للاستغراب والقلق، إذ تخلّى فيها عن مفردات الصحافي والكاتب والمثقف، ليعتمد لغةً "فجّة وواقعية" خلع معها ثوب الاعتدال الذي لطالما تغنّى به وبتمسكه بـ "الحريرية السياسية" وانتمائه إلى أفكار الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانفتاحه الوطني واعتدال نهجه السياسي، متحوّلاً هذه المرة إلى صقرٍ مدافعٍ عن حقوق طائفة، بل مذهب، مستخدماً في ذلك - بطبيعة الحال - اللغة التي يستلزمها مثل هذا الموقع، ومغالياً في إظهار "تمايزه" في منسوب التعصب، لفتاً ربما لمن يهمّهم الأمر إلى أنّه الرجل الأنسب لمواجهاتٍ ذات طابع مذهبي، ولو على قاعدة "البادئ أظلم"!
يا حضرة النائب: هل باعتمادك خطاباً مذهبياً تُظهر إيمانك بالاعتدال الحريري في السياسة؟ وهل باستنهاض "القوم" مذهبياً، واستحضار ثارات التاريخ ودمائه تلاقي انفتاح الشهيد الحريري على الجميع من مختلف الانتماءات؟ وهل بشدّ العصب المذهبي الضيّق يكون الوفاء لمن وفّر التعليم لعشرات آلاف اللبنانيين دون السؤال عن طائفتهم ومذهبهم؟
ثم مَن أنت لتمنح بيروت لفئةٍ من اللبنانيين وتمنعها عن فئةٍ أخرى؟ صحيحٌ أنّ من وصفتهم بـ "جحافل حاقدين" هم حاقدون فعلاً ومجرمون في حقّ عاصمتنا، لكنّهم أيضاً فقراء مغرّر بهم بخطابٍ لا يختلف كثيراً عن خطابك الأخير! وإذا أردت ردعهم فعليك بممارسة دورك التشريعي واللجوء إلى القانون لكشف ومحاسبة من يحرّض هؤلاء ويحرّكهم.
وهل لك في بيروت أكثر ممّا يملك ملايين الفقراء الذين فرشوا أحلامهم في شوارعها منذ وُجدت ووُجدوا، وملايين العرب الذين كرّسوها "ست الدنيا"، وملايين "الأغراب" الذين زرعوا حبّهم لها في نفوس أولادهم وأحفادهم؟
بيروت عاصمة الثقافة وموئل المضطهدين ونصير المساكين.. بيروت شعلة الأمل التي لم تخبُ نارها أمام غطرسة المحتل الإسرائيلي الذي طرده بنوها وعشاقها والمؤمنون بها والمدافعون عنها الآتون من كل المناطق والمشارب السياسية والانتماءات الدينية، وجعلوه يرجوهم الكفّ عن إطلاق النار عليه!
بيروت الأبيّة ستبقى عصيّةً على التطويع والتقزيم، وستعيش حرّة خارج أي شكلٍ من أشكال السجون.
بيروت أسمى من ادعائك وادعاء أيٍّ كان احتكار الحقّ في الذود عنها.
بيروت أكبر منك وأعظم من طموحات أيّ لاهثٍ خلف منصبٍ يخال أنه سيناله بتقديم أوراق "تعصّب" طائفي وإثارة أحقادٍ مذهبية.
تأخرت يا حضرة النائب في الدفاع عن بيروت، وقد كنتَ - بما تمثل - شريكاً في تشويه وجهها وتحجيم دورها وإبعاد محبيها عنها وإفقار أهلها طمعاً بمحاصصة وتقاسم مغانم أوصلتها وأوصلت البلاد والعباد إلى هذا الدرك من الممارسات الشاذة على الأرض، والخطابات والتغريدات المسمومة.
*كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي