مشهدية السادس من حزيران بين الثورة وفساد السلطة
سوزان أبو سعيد ضو
"مشهدية" تحرك السادس من حزيران (يونيو) وما حفلت به من تناقضات، بين سلطة تضرب بالسلاح الفتنوي المعتاد وبإثارة النعرات الطائفية، وبين مجموعات الثوار، التي تنادت بكافة اختلافاتها وشعاراتها، على الرغم من الحظر والتعبئة العامة المفروضة "ولمدة شهر كامل"، واختصرت المجتمع الفسيفسائي اللبناني، وإن كان الواضح أن الطغمة الفاسدة التي استولت على مقاليد الحكم والثروات والفساد والهدر والتدهور البيئي وتقسيم المغانم سواسية ولعقود، تحاول شق الاصطفاف الوطني حول الثورة، وبكل الوسائل، ولو تطلب الأمر أخذ البلاد إلى مهاوي الفتن.
هذه الثورة ليست ضد المواطنين، وإن كان البعض يعتبر مكوناتها "زعران" و"غوغائيين" و"مخربين"، وهم محقون إلى حد ما، فقد تم دس بعض الأشخاص، بمغريات طائفية ومذهبية (المحافظة على الطائفة والمذهب)، ومادية (اموال وهبات ومخصصات، لا تغني على مدى طويل، ما يضمن عودة الأفراد)، وتقديمات صحية ووظيفية، وتهديد بقطع الأرزاق خصوصا في هذه الفترة، التي يتمسك الفرد فيها بالليرة رغم انعدام قيمتها، وغيرها من الوسائل.
وهنا يأتي النقد لثورة 17 تشرين الأول/أكتوبر، التي ان افترضنا ان عمرها من 17 تشرين الأول، فهي لا زالت في مهدها، لم تنضج، ولم تتعرض للأزمات التي تصقلها لتصبح يافعة وقادرة على الإنتاجية، هذا من حيث المبدأ، وإن كان في كادراتها، نضجا قل مثيله لدى الكثير من السياسيين، ومن جهة ثانية فهناك الشعارات، اختلفت عليها المجموعات، فمن شعار "كلن يعني كلن" أي كل السياسيين، التي وجد فيها بعض الأفرقاء، أنه شعار غير جدي، كونه لا يستقطب جمهور الأحزاب، والمذاهب وغيرهم، إلى شعار نزع السلاح غير الشرعي، الذي أثار الدوامة التي شهدناها في الساحة يوم 6 حزيران، إلى شعارات، ربما لو بدأ بها واتفق عليها جمهور الثورة، وقبل هذا الشعار الأخير، فربما كان يوم 6 حزيران، يوما وطنيا جامعا بكل معنى الكلمة، ومنها استقلالية القضاء، واستعادة الأموال المنهوبة، ولاستعاد النسيج الوطني بعض ألفه حول شعارات موحدة، لما أصاب الثورة التسويف الذي أصابها منذ يومين.
فالسلاح وإزالته كشعار، يتطلب خطوات استباقية، واقليمية، ولا ندري مدى قدرة رفع شعار في يوم وطني بالتأثير فيه سلبا أو إيجابا، مثله مثل الإنتخابات النيابية المبكرة، فهل بالإمكان وسط الأزمة الإقتصادية، والتخبط السياسي، سواء بين الطغمة الحاكمة والتي سرعان ما تصطف صفوفها لاستعادة مكاسبها، أو بين كادرات الثورة، التي لا زالت تختلف على التفاصيل، وعلى ما بين السطور، أن تتوصل إلى الاتفاق على ممثلين لها، ليتمكنوا من الحصول على أغلبية في المجلس النيابي، وأن يسعوا نحو التغيير المنشود.
لسنا هنا لنورد السلبيات، بل لنعطي تسلسلا منطقيا لمسار الأمور، تحتاج هذه الثورة للمزيد من الجوع، والقهر، والأزمات لتنضج، كما تحتاج اكثر للوعي بأنها لا يمكنها أن تعتمد على جمهور واحد، والعمل بتنظيم واستراتيجية للتوصل إلى ممثلين لها للوصول إلى النيابة وغيرها من المراكز المسؤولة، كما يجب أن تضم كافة مكونات الشعب اللبناني، لتصبح ثورة واحدة، ولتوجه سلاحها الوطني الموحد نحو من اعتدى وبكل جرأة ووقاحة، على ممتلكات اللبنانيين جميعا (السوليدير وغيرها) والممتلكات العامة (استملاك الأملاك البحرية والمقالع والكسارات) وعلى أموال الدولة (مليارات الكهرباء والهدر والفساد والتعدي على البيئة والأنهر) وملفات الفساد وغيرها كثير.
من يتهم الثورة بالعمالة، مردودة عليه، فليس هناك عمالة أكثر مما يذكره التاريخ في لبنان لدى رجال السياسة ومثلهم بعض الإعلام والمجتمع المدني، ومن يتهمها بالتمويل من الخارج، فلا زالت الأموال الخارجية تشهد على ما عانينا ونعاني منه في لبنان، ومن يتهمها بالفساد فهو يشبه المثل القائل "... التي تحاضر بالعفة" وختاما، نذكر المثل اللبناني "النظيف" وهو "شطف الدرج من فوق لتحت" وبأكثر المنظفات "ضراوة على الفساد" وهنا نعني القضاء السيد المستقل النزيه، الذي يمكنه أن ينقح القوانين التي ستخدم الوطن، وتقوم إعوجاجه، عسى أن يكون رافدا لهذه الثورة التي لم ولن تفنى على الرغم من محاولة الكثيرين وأدها حية.