لبنان "الجديد": فيدرالي... كونفيدرالي؟!

مشاركة


لبنان اليوم

*بسام سامي ضو

أستغرب استغراب البعض من تصاعد الطروحات والدعوات إلى تقسيم لبنان، تحت مسمّيات الفيدرالية أو الكونفيدرالية، وإلى "مؤتمر تأسيسي" ينهي الصيغة اللبنانية "الفريدة" ويستبدلها بصيغةٍ ستؤدّي حكماً إلى محاصصة الوطن جغرافياً (مع تكريس الحصة الكبرى للأقوى حالياً)، بعدما جرى استنزاف الوطن ونهب ثرواته وإفقار الناس وحماية الفاسدين والمفسدين المسؤولين عن ذلك على قاعدة "مرّقلي بمرّقلك...".

فالواقع أنّ التقسيم بين "الشعوب اللبنانية" قائمٌ ديموغرافياً ونفسياً منذ عقود، والدلالات على ذلك كثيرة، تبدأ بتكريس زعماء الطوائف مناطق يستخدمون عبارة "مناطقنا" عند الحديث عنها، ويمارسون فيها سلطات مطلقة يتمتّع بها كل حاكم، ولا تنتهي برفض بلدياتٍ جهاراً ونهاراً وبكل وقاحة أن يتملّك شقّة فيها أو حتى يستأجرها "غريبٌ" عنها، والمقصود بالغريب هنا كل من ينتمي إلى طائفةٍ أخرى أو مذهبٍ آخر، علماً بأنّه لبناني أباً عن جد، وبأنّ الفقرة "ط" من مقدّمة الدستور اللبناني تنصّ على التالي: "أرض لبنان أرضٌ واحدة لكل اللبنانيين. فلكل لبناني الحق في الإقامة على أيّ جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أيّ انتماءٍ كان، ولا تجزئة ولا تقسيم ولا توطين"!
دفينةٌ وقاتلةٌ تلك النزعة إلى اعتبار اللبناني "الآخر" غريباً بل مصدر خطرٍ، وهي التي شكلت النار التي كانت تهنأ تحت رماد "العيش المشترك" قبل أن تنفجر حرباً أهلية منتصف سبعينيات القرن الماضي.. وهي الحقيقة التي لا تنفع في نفيها كل الشعارات الممجوجة على شاكلة "لبنان يحلّق بجناحيه المسلم والمسيحي"، ولا تلك الصور المستهلكة لرجال دين يتعانقون ويشبكون الأيدي كأنما في حلقة دبكة فولكلورية لبنانية!

لا بدّ لنا اليوم من الاعتراف بأنّ أركان نظامنا الطائفي نجحوا في تعزيز هذه النزعة "الاستقلالية" عن الوطن لدى مكوّنات الوطن، عبر العزف المتواصل على الوتر الطائفي والمذهبي، تارةً بحجة "الأمن المجتمعي" وطوراً بحجة "حقوق الطائفة"، مع تكريسهم لغةً تعتمد التمييز الطائفي والمذهبي سادت علناً وبوقاحة في السنوات الأخيرة خصوصاً، تساعدهم الظروف التي تخدمهم على الدوام، سواءٌ تلك الموضوعية التي تسببت بضياع انتفاضة الناس في 14 آذار 2005 إثر اصطدامها بـ "الخط الأحمر" المتمثّل بعدم جواز إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع، أم الظروف "القَدرية" التي أدّت إلى "لجم" ثورة 17 تشرين التي نجحت في فتح كوّة في جدار النظام الطائفي لم تهزّ أساساته بما يكفي لإسقاطه، وسبب اللجم هو تدخّل "القدر" عبر جائحة كورونا التي نجحت في "قمع" حركة المنتفضين حيث فشلت السلطة، ومنح المنتفَض عليهم فرصة استعادة زمام السلطة.

مخجلٌ ومبكٍ ومخزٍ أنّ كل تلك التضحيات التي قدّمها اللبنانيون على مذبح الوطن، ودموع الأمهات وآمال الشباب وعذابات الناس وأرواح كل الشهداء الذين سقطوا حالمين بلبنان الجديد، لم تؤدِّ إلى إسقاط النظام الطائفي في لبنان، بل ها هي تُقتل مرتين مع تصاعد الخطاب التقسيمي، مذهبياً هذه المرة.

*كاتب وصحافي لبناني مقيم في دبي

 







مقالات ذات صلة