محكمة... اكتمل نصاب النصابين!
*بسام سامي ضو
ها قد اكتمل النصاب.. "قاضي الشعب" بكامل هيبته فوق قوس المحكمة.. إلى يمينه يمثل المتهمون بالفساد وهدر آمال اللبنانيين في قفصٍ يتسع لنحو 5 في المئة من الشعب، هم شخصياتٌ حالية وسابقة من رؤساء جمهورية وحكومة و"رئيس" مجلس نواب، ووزراء ونواب وزعماء ميليشيات ومدراء عامين وقضاة ومحامين ومستشارين ومصرفيين و"حاكم مصرف" وصرّافين وضباط كبار وصغار ومحافظين ورؤساء صناديق تعدّدت تسمياتها والهدر فيها واحد، وسماسرة ومهربين شرعيين وغير شرعيين وإعلاميين ومخبرين ورؤساء مجالس بلدية وشهود زور ومواطنين صامتين خانعين وتابعين..
إلى يسار "قاضي الشعب" هيئة المحلّفين والشهود المكوّنة من شهداء النظام الطائفي وحروبه المتتالية، ومعهم النازحون والجرحى والمهجرون والمعوقون وعقول الشباب المهاجرين ودموع الأمهات، والحالمون المحبطون والثوار الخائبون.
تلا القاضي لائحة الاتهامات، وكاد عمره ينتهي قبل أن يفرغ منها..
حدّق في وجوه المتهمين.. بعضهم وعده بترقيته وآخرون بتوزيره.. وبعضهم الآخر هددّه بالنقل أو القتل.. وغيرهم حاول عبثاً توريطه بواحدٍ من آلاف الملفات والسمسرات وفضائح النفايات والكهرباء ومعاملها وبواخرها والفيول المغشوش والوعود الكاذبة والمواقف الوطنية الفارغة.. وجميعهم ابتسموا في وجهه، بل ضحكوا بكل وقاحة ساخرين من التهم المثبتة عليهم، مبرّرين أفعالهم بأنها تنبع من المصلحة العليا لـ "شعب" كلٍّ منهم وأمن مجتمعه وتحسين حصته من جبنة الحكم، فيما تعالت في الخلف أصداء هتافات "بالروح بالدم" و"المساس بكم هو مساسٌ بالطائفة، وهذا خطٌّ أحمر ممنوعٌ تجاوزه" و"يا زعيم لا تعبس، بدك عسكر تا نلبس"..
لكنّ "قاضي الشعب" لم يلتفت لأيّ منهم، ولا رفّ له جفنٌ خشيةً أو مسايرةً لهم، بل رفع مطرقته وتلا بكل حسم أحكامه عليهم جميعاً، والتي تراوحت بين سجن وحرمان من الحقوق المدنية ومن الأهلية الإنسانية ونفي وإعدام.
هوت مطرقة القاضي بكل قوة محدثةً دوياً هائلاً.. جعلني أستيقظ من حلمي على أصوات الناس تتغنّى "بالعيش المشترك" وتشكو سوء الأحوال.
*كاتب وصحافي لبناني في دبي