جنبلاط الحريري جعجع... "ثلاثيّ المعارضة"؟!
*بسام سامي ضو
لا يحتاج المتابع للحركة السياسية في لبنان إلى الكثير من التحليل ليستشفّ أنْ ثمة "معارضةٌ" على وشك أن تُطلق أو تتشكل من الأطراف التي باتت معروفة، أي الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية، بقيادة زعماء هذه الجهات سعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط الذي يشكل رأس الحربة كالمعتاد، كونه الأكثر جرأةً وصراحةً وإقداماً.
ولكن هل نحن أمام "معارضةٍ" فعلية، أم يصح وصف مثل هذه العلاقة بتحالفٍ تجمع بين أركانه مصلحةٌ واحدة- آنية في الغالب- أو خشيةٌ من خصمٍ واحد، موقت في العادة؟ تحالف متبدّل لم يرتقِ يوماً إلى تكوين معارضة حقيقية، بما لها من أسسٍ وآفاق أقلّها تبنّيها برنامجاً سياسياً يتضمّن بنوداً واضحة ومراحل محدّدة ووسائل معلنة لتنفيذه، ويشمل مختلف النواحي التي تهمّ حياة المواطن وتضمن أبسط حقوقه وترسم صورةً أفضل لمستقبله، ويكون من واجبها العمل على تحقيقه، موظّفةً في سبيل ذلك كل ما تملك من مقوّماتٍ شعبية ومتسلّحةً بها وسيلة ضغط للوصول إلى الغاية المنشودة.
منذ "اتفاق الطائف" أُفرغت المعارضة السياسية من دورها بفضل التركيبة الطائفية للنظام اللبناني التي ابتدعت ما أسمته "الديمقراطية التوافقية" التي جمعت الحكم والمعارضة معاً ضمن السلطة التنفيذية أي الحكومة، وحرمت القوى المعارضة من دورها المطلوب، وعملت على تقسيم الأحزاب العابرة للطوائف، وكذلك النقابات، فتحوّلت صيغة الحكم إلى "محاصصة" يحدّد نسبة كل طرفٍ مشارك فيها ميزانُ القوى الداخلي المحكوم بميزان القوى الإقليمي أو الدولي الذي بتغيّر معطياته ينقلب المعارض إلى موالٍ والعكس بالعكس، وكل ذلك تحت مظلة "التوافق الطائفي" الذي يُبقي أيّ معارضٍ حقيقيّ صوتاً وحيداً ومنعزلاً يغرّد خارج سربه.
لا شك في أنّ الحكومة الحالية أثبتت عجزاً عن مواجهة مشاكل متراكمة وتخبطاً في ابتكار حلولٍ تجنّبنا المزيد من المآسي التي أضيف إليها الوضع الذي فرضته جائحة فيروس كورونا المستجد، مع تسجيل التقدير حصراً لوزارة الصحة في مقاربة هذه الجائحة..
كما أنّ "العهد القوي" كرّس فشلاً ذريعاً في ممارساته السياسية التي أثبتت سنوات حكمه أنها تناقض كل ما كان يرفعه من شعاراتٍ تمحورت حول "الإصلاح والتغيير"، فانخرط في منظومة المحاصصة والفساد، وراح يمارس هروباً إلى الأمام بتحميله الآخرين مسؤولية عدم تحقيقه إنجازاً واحداً يُسجّل له، تحت ذريعة "ما خلونا نشتغل"، وصولاً إلى تحريك الغرائز وشدّ العصب الطائفي عبر نبش قبور الماضي.
الواقع يستدعي ليس فقط معارضة العهد ونهجه، بل الانتفاضة عليه، ولكن هل يملك "ثلاثي المعارضة" المستجد أو المتجدّد الأسس والمقوّمات التي تضمن انضواءه تحت راية جبهةٍ فعالة وعملية تملك برنامجها الذي يخوّلها قيادة المرحلة المقبلة؟ أم أنّ شعور أركان هذا الثلاثي باستهدافهم من قِبل "منظومة الحكم" المحلية والإقليمية يجعلهم يعتمدون الهجوم كأفضل وسيلةٍ للدفاع عن وجودهم ومصيرهم، لا تأسيساً لمعارضةٍ بنّاءة وفاعلة؟ واستطراداً: هل يمكن لدائرته أن تتسع لتشمل أطرافاً أو أحزاباً معارضة تاريخياً أو حديثاً، مثل الحزب الشيوعي وحزب الكتائب وغيرهما؟
وماذا عن "المعارضة الشعبية" الحقيقية التي تجلّت بثورة 17 تشرين وانتفاضة الغالبية العظمى من اللبنانيين على واقعٍ كان كلّ المعارضين الحاليين والسابقين طرفاً أساسياً فيه؟ فهل هذا "الثلاثي" قادرٌ على كسب ثقة "الثوار" وتبييض صفحته معهم وتبنّي مطالبهم المحقّة وقيادة ثورتهم؟ وهل يملك النيّة والقدرة على تغيير واقعهم ورسم خارطة طريقٍ تنتشل اللبنانيين من هذه الأزمة القاتلة وتنقذ الوطن من انهيارٍ محتوم؟
الإجابة الواقعية عن هذه التساؤلات تودي حكماً إلى نتيجةٍ محبطة، هي أننا في نظامٍ غير قادرٍ على تشكيل حكمٍ خارج إطار المحاصصة والمحسوبيات والمناكفات والصراعات، وأننا بالتالي أمام "معارضةٍ" من طينته، ولن يغيّر هذا الواقع سوى قيام أحزابٍ جامعة تلاقي الثورة الشعبية وتتولى توجيه مساراتها الكفيلة بالضغط فالتغيير، وحتى ذلك الحين، لا معارضة ولا مَن يغيّرون.
*كاتب وصحافي لبناني في دبي