"أبو الجماجم" وكورونا... ولبنان الجديد!
بسام سامي ضو
لا أدري ما الذي جعلني أستحضر "أبو الجماجم" وكل نظرائه من "أبوات" الحرب اللبنانية.. لعلّ وجودنا في الحجر الإلزامي اليوم فرض استعادةً لوجودنا في الملاجئ مرغمين أيام الحرب بفضل هؤلاء، مع فوارق عدّة، منها أنّ "أبو الجماجم" يشاركنا اليوم الحجر خوفاً من عدوّ يخشاه، هو الذي اعتاد أن يحشرنا في "جحرٍ" لأننا نخشاه.
ومنها أنّ "أبو الجماجم" محجورٌ في بيته عجوزاً، بعدما حجر شبابنا وأحلامنا ومستقبلنا وآمالنا في عتمة الملجأ، ولم يتردّد في اغتيالها متى أتيح له..
ومنها أنّه يعيش اليوم عجزاً جعلنا نعاني منه لسنوات، ولم تبرحنا ذكرياته السوداء والخوف من شخصٍ أسود القلب يختبئ هناك، في مبنىً مرتفع استفاد من كوّةٍ في أحد جدرانه ليمارس "هواية" قنص الأبرياء، أو وراء تلّةٍ يطلق قذائف داعياً الله أن يوفّقه فتقع حيث تحصد أكبر عددٍ من أرواحنا، أو خلف مقود سيارة يغادرها فرحاً بعبوةٍ زرعها لتنفجر وسطنا ونحن في طريقنا إلى تنشّق الهواء خارج الملجأ..
صحيح أن "أبو الجماجم" اليوم يشبهنا محجوراً في بيته، عاجزاً عن مغادرته خوفاً من عدوّ متربّص به.. لكنّ شعوره بالعجز مضاعفٌ، كونه فاقداً أيّ سلاحٍ يتيح له مواجهة هذا العدو الشبح، هو الذي اعتاد التباهي بامتلاكه شتى أنواع السلاح..
مسكين "أبو الجماجم"... يتأمّل في المرآة وجهاً لا يشبهه.. وجه كهلٍ يعاني من أمراضٍ جسدية ونفسية.. أجعد الوجه أشيب الشعر فاقدٍ غالبية أسنانه التي كان يكشر عنها شرّاً، قبل أن تُظهرها ابتسامة رضا عن "انتصارٍ" حققه.. يجيل النظر وحيداً في غرفته المتهالكة.. تقع عيناه على صورة الزعيم.. تنساب دمعةٌ صامتة ترسم على الأرض صورة "لبنان الجديد" الذي قاتل وقَتل وقُتل في سبيله.
*كاتب وصحافي لبناني في دبي