أعطونا الكورونا... وخذوهم!

مشاركة


لبنان اليوم

*بسام سامي ضو

بالرغم من كل المخاوف الجدّية التي يثيرها فيروس "كورونا"، وتحذير منظمة الصحة العالمية من خطر تحوّله إلى وباءٍ قد يعصف بالعديد من البلدان، أظنّ أننا نحن اللبنانيين موافقون بما تبقّى من وعينا وإدراكنا وقوانا الجسدية والعقلية على تقديم عرضٍ يُطمئن أولئك المصابين به والمتخوّفين من مخاطر سرعة انتشاره وتداعياته، قوامه استعدادنا بلا تردد لاستقبال فيروس "كورونا" في ربوعنا على الرحب والسعة، شرط مقايضته بـ "فيروسنا"، وسنكون نحن الرابحين في هذه الصفقة حكماً!

أما المقصود بـ "فيروسنا" فهم كل الذين حكمونا، أي تلك الطبقة السياسية المتعاقبة والمكوّنة من رؤساء جمهورية ومجلس نيابي وحكومة، ومن وزراء ونواب ومدراء عامين وقضاة ومحامين وموظفين من الدرجة الأولى وعسكريين من أصحاب الرتب العليا وزعماء طوائف وزوجاتهم وجمعياتهنّ الخيريّة وأبنائهم زعماء المستقبل والمتحكمين بأبنائنا لاحقاً.

فالواقع أنّ فيروس "كورونا" يشكل خطراً بسيطاً جداً أمام الأخطار التي يجسدها حكامنا "المكورنون" منذ عقود.. بل يبدو هذا الفيروس مسكيناً بريئاً أمام ما يملك هؤلاء من ترسانة فيروسات تواصل الفتك بنا جيلاً بعد جيل.. فإذا كان "كورونا" قادراً في الحدّ الأدنى على إصابة بضع عشراتٍ بأعراض الإنفلونزا القابلة للشفاء منها، وفي الحدّ الأقصى التسبب بمقتل العشرات أو حتى المئات في بلد المنشأ، أي الصين، حيث عدد السكان يفوق المليار ونصف المليار، أو العشرات خارجها من بين المليارات من البشر، فإنّ تركيبة فيروس "حكامنا" أودت بأرواح مئات آلاف اللبنانيين وتسبّبت بإعاقة مئات الآلاف غيرهم من أصل 3 ملايين لبناني، وتصرّ على الفتك بمن بقي منهم وما تبقّى من الوطن!

وإذا كانت التركيبة البيولوجية لفيروس "كورونا" وسلالاته معروفةً ويمكن تحليلها مخبرياً وبالتالي ابتكار العلاج الناجع لها، فإنّ تركيبة "حكامنا" وجيناتهم عصيّةٌ على التحليل وغير قابلة - حتى الساعة - لأيّ محاولة علاج للشفاء من أعراضها الكارثية المباشرة وغير المباشرة، السابقة واللاحقة.

وإذ تسبّب "كورونا" بخضّةٍ موقّتة للاقتصاد الصيني أو العالمي، فإنّ فيروس "حكامنا" قضى ليس فقط على اقتصاد دولتنا، بل نخر أموال المواطنين وقدرتهم الشرائية، وفرض حجراً قسرياً على إيداعاتهم التي تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة بفضل عباقرة الهندسات المالية وتفشّي فيروس الفساد والمحاصصة في كل مفاصل تركيبتنا الفريدة.

وإذا كانت الوقاية من "كورونا" ممكنة ببعض النظافة والوقاية وغسل اليدين وعزل المصابين، فمن المستحيل الوقاية ممّن نجحوا في تنظيف جيوبنا من جنى العمر، أو عزلهم هم الذين جعلوا مناطقنا شبه معزولة عن بعضها البعض، وبلادنا معزولةً عن العالم وتطوّره، ليغسلوا في نهاية المطاف أيديهم من كل جرمٍ ارتكبوه، قبل أن يعاودوا ارتكابه.

وإذ يخفي "كورونا" ذاته ويتغلغل في جسد الإنسان صامتاً، كأنما من خجل، فإنّ "حكامنا" متغلغلون في كل صغيرة وكبيرة في حياتنا وقابضون على كل مفاصلها، لكنهم يجاهرون بفيروس فسادهم، بل يزايد أحدهم على الآخر ويتحدّاه في إثبات أنه أكثر قدرةً منه على نشر الخراب والتسبب بالأذى.

يبقى أنّه إذا ارتضينا نحن بمبادلة فيروس "حكامنا" بفيروس "كورونا"، فالمصابون بهذا الأخير لن يرتضوا أن يصيبهم ما ابتلينا به.. للأسف!

*كاتب وصحافي لبناني - دبي







مقالات ذات صلة