هل يحاكم البرلمان الأوروبي الحريري وميقاتي في ملف فساد إدارة النفايات؟

مشاركة


لبنان اليوم

 

رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو

 

تستمر الفضائح المالية المتعلقة بالفساد في لبنان، خصوصا مع تحقيق تتابعه مجموعة مستقلة من أعضاء البرلمان الأوروبي لاسترداد أكثر من 38 مليون دولار خسرتها المفوضية الأوروبية في لبنان بسبب خطط وهمية لإدارة النفايات، إلى جانب محاكمة أولئك الذين كانوا مسؤولين عن الفساد.

ميقاتي والحريري

ووفقا لموقع "TRT" وللكاتب البريطاني مارتن جاي  Martin Jay، وفي مقالة حصرية، وبتاريخ 24 كانون الثاني/يناير 2020، أن التحقيقات ستشمل بعض اللاعبين الكبار في لبنان مثل وزيري الحكومة السابقين نجيب ميقاتي وسعد الحريري، وهما مرتبطان برجل أعمال لبناني تواطأ بسرقة بملايين من اليورو من برامج الاتحاد الأوروبي لإدارة النفايات، وأنهما كانا وراء صفقة جديدة للحصول على المزيد من أموال المساعدات الدولية بطريقة احتيالية بمبلغ يصل إلى مليار دولار لإنشاء محرقة.

موغيريني في خط النار

في أعقاب تحقيق نُشر في أيار (مايو) من العام الماضي، والذي لم يكشف عن تحويل مساعدات الاتحاد الأوروبي، في كثير من الحالات، إلى جيوب نافذين تابعين لـ "حزب الله" فحسب، بل تم ربط المعامل المنشأة من قبل الاتحاد الأوروبي بارتفاع في حالات السرطان، ومن المتوقع أن يقوم البرلمان الأوروبي بمحاسبة لبنان ومكتب رئيسة السياسة الخارجية السابقة للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني Federica Mogherini.

وتعتبر هذه الخطوة المثيرة للجدل توجهًا جديدًا للغاية من أعضاء البرلمان الأوروبي، الذين يرغبون في رؤية مزيد من المساءلة في كيفية إنفاق أموال مساعدات الاتحاد الأوروبي في لبنان، وهي ضربة لموغيريني الذي طالبت به عضوة البرتغالية البرلمان الأوروبي آنا غوميز، في الصيف الماضي بفتح تحقيق كامل، وقد رفضت موغيريني، وفقًا لرسالة سرية صدرت في يوليو 2019، القيام بذلك.

واعتبرت رسالة ، موغيريني - المكتوبة بطريقة مبهمة على غرار رسائل مؤسسات الاتحاد الأوروبي - هي إنكار صارم لأي خطأ.

وجاء في نص رسالة موغيريني: "وضع الاتحاد الأوروبي عددًا من الآليات الداخلية والخارجية لمراقبة تنفيذ مساعداته في هذا القطاع، بالتوازي مع ذلك، أطلق وفد الاتحاد الأوروبي في عام 2018، تقييمًا مستقلاً لتأثير المشاريع المنفذة من خلال المساعدة على إعادة إنشاء برنامج الإدارة اللبنانية  (ARLA) the Lebanese Administration Programme، ومراجعة مستقلة لملف (تطوير القدرات المستمرة لإدارة النفايات الصلبة في لبنان) Solid Waste Management Capacities in Lebanon Programme،  أي برنامج  ((SWAM".

وكتبت موغيريني: "من المتوقع صدور التقرير النهائي للتقييم بحلول تشرين الأول/أكتوبر 2019. ولا تظهر الاستنتاجات الأولية أي دليل على الفساد".

ومع ذلك، فإن إنكارها لا يعني الكثير بالنسبة إلى غوميز، والجيل الجديد من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين تم انتخابهم في البرلمان الأوروبي خلال الصيف والذين بدأوا في وظائفهم الجديدة في حزيران/يونيو، وطالبوا من بين أمور أخرى، باستبدال موغيريني، بـ "جوزيب بوريل" Josep Borrell.

مارياني

وهناك مجموعة غير رسمية، مؤلفة من أعضاء شعبويين أو "يمينيين"، بقيادة تييري مارياني Thierry Mariani، وهو الوزير في حكومة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، وهذه المجموعة بالفعل في حالة هجومية حول اختلاس مساعدات الاتحاد الأوروبي للبنان - والتي يمكن أن تعوق مئات الملايين من دعم الاتحاد الأوروبي للبنان واللاجئين السوريين في المستقبل.

مارياني، الذي ما زال يعاني من الإنتقاد إثر زيارة قام بها لزعيم النظام السوري بشار الأسد في آب/أغسطس من العام الماضي، وبعد أيام قليلة من نيله عضوية البرلمان الأوروبي ، لديه الدعم من العديد من النواب الفرنسيين في البرلمان الأوروبي، وهو متابع بصورة حثيثة لمخططات إدارة النفايات الوهمية في لبنان، والتي تقدر بأكثر من 33 مليون دولار (لـ 11 معملا) والتي يشعر بالقلق من أنه استولى عليها السياسيون الفاسدون، بالإضافة إلى المساهمة في زيادة هائلة في معدلات الإصابة بالسرطان في لبنان.

لكن هذا الملف في مجال الفساد، لا يخدش سوى السطح لما تعرض له الاتحاد الأوروبي لعقود في لبنان وقد خسر الكثير، وأكثر بكثير من مجرد 33 مليون دولار للسياسيين والميليشيات الفاسدة هناك.

يقود وزير ساركوزي السابق، تيري مارياني، الجهود الأوروبية للتحقيق في الفساد الذي ينطوي على مساعدات من الاتحاد الأوروبي إلى لبنان.

ووفقا لـ "جاي" إذا كانت دعوة مارياني لإجراء تحقيق حول مساعدات الاتحاد الأوروبي في لبنان جادة، فإنها تهدد برفع غطاء الفساد المستشري واختلاس أموال الاتحاد الأوروبي، وربما الأهم من ذلك، أولئك الذين بذلوا قصارى جهدهم للتستر على هذه الفضيحة.

ومن شأن التحقيق أن يلقي الضوء على المشاريع السابقة التي ابتلعت المزيد من أموال الاتحاد الأوروبي في قطاع إدارة النفايات، وفي السابق، كان الاتحاد الأوروبي قد ساعد بشراء الأراضي وبناء ما لا يقل عن ستة من أعمال الصرف الصحي التي ليست غير فعالة اليوم فحسب، بل لم تعمل أبدًا، وهي أيضًا جزء من عملية احتيال أكبر بكثير، سرقت خزائن الاتحاد الأوروبي بمبالغ تصل إلى 110 مليون دولار. 

ووفقا لـ TRT World، فقد وصل لمصادرها أن خطة مارياني مستمرة بهدف تشكيل لجنة مكونة من أعضاء في  البرلمان الأوروبي، والتي ستحقق في مثل هذه الكسب غير المشروع والاختلاس على نطاق واسع في لبنان، ومحاكمة أولئك الذين كانوا مذنبين والسعي لاستعادة الأموال المنهوبة.

وأعضاء البرلمان الأوروبي هؤلاء لديهم القليل من الثقة في مكتب الاحتيال في الاتحاد الأوروبي، "OLAF"، على الرغم من تعاون أعضاء البرلمان الأوروبي مع وحدة مكافحة الاحتيال التابعة للاتحاد الأوروبي، والتي أبلغت مارياني بالفعل أنه لا يمكنها سوى التحقيق في الكسب غير المشروع الذي يعود إلى خمس سنوات فقط.

ويأمل أعضاء البرلمان الأوروبي أن تتخذ الحكومة اللبنانية المبادرة للتحقيق في القضية وتسليم الأموال إلى بروكسل كرمز للنوايا الحسنة.

وخلال خطاب هجومي مدته دقيقتان في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ في 27 تشرين الأول/نوفمبر من العام الماضي، أوضح مارياني فيه عملية الخدعة بما يخص المساعدات التي قدمها الاتحاد الأوروبي في طرابلس، أقرت موغيريني أخيرًا أن القضية بحاجة إلى تحقيق.

ومن المتوقع أن مطالبات مارياني ستُقدم إلى جوسيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الجديد في منتصف شهر كانون الثاني/يناير 2020، والذي سيصعب عليه متابعة موضوع "التستر على التستر" في لبنان (كما وصفه أحد أعضاء البرلمان الأوروبي) بصورة سرية.

وتهدف اللجنة أيضًا إلى تنفيذ بعض المبادرات الجريئة جدًا لمساعدة حركة الاحتجاج في بيروت التي تسعى إلى الإطاحة بالنخبة الفاسدة والدخول في حقبة جديدة من المساءلة، على سبيل المثال،  تهدف أيضًا إلى تجميد جميع الأموال الدولية في حسابات البنوك الغربية المرتبطة بالأموال المختلسة من خزائن الدولة.

عازف البيانو، الموساد والحريري

يعود الفضل في الخطوة غير التقليدية لتحرك مارياني، إلى عازف البيانو ورجل الأعمال اللبناني الفرنسي و"القيصر" الإعلامي عمر حرفوش، وقد عرض قبل بضعة أسابيع في مؤتمر أقيم في مدينة بروكسل شارك فيه نواب من البرلمانات الوطنية الأوروبية ومنهم  Dino Giarrusso من إيطاليا، وكانت ثورة 17 تشرين في أوجها، وفي كافة المناطق اللبنانية، ضرورة تجميد أموال المسؤولين اللبنانيين وعائلاتهم خارج لبنان كبداية للحل ونقطة الإنطلاق نحو استعادة الأموال المنهوبة.

وقد نظّم حرفوش ، الذي يعد من المشاهير في فرنسا، مؤتمراً مماثلاً في العام الماضي في مجلس الشيوخ الفرنسي برئاسة فيليب دوست بلازي Philippe Douste-Blazy، الذي شغل أيضاً منصب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة.

تشير ادعاءاته الإستثنائية بإصبع الاتهام للمنظمات غير الحكومية في طرابلس - والأرقام التي تقف وراءها - التي يزعم أنها وعدت برشاوى ضخمة من صفقات المحارق المخططة التي يعتقد الكثيرون في لبنان أنها تتعلق بالكامل بتوجيه مدفوعات ومحاصصات ضخمة للنخبة وبالإشتراك مع جمعيات لا تبغي الربح ومنها اتهامات للحريري بتضخيم تكاليف الشراء الحقيقية، وكشف أن معملاً فرنسياً لفرز النفايات بقيمة 38 مليون دولار، كان سيشرف على تشييده بنفسه، قد تم إلغاؤه لأسباب ترتبط بالفساد، وأن الفساد لا يقتصر على النخبة السياسية في لبنان وإنما تمتد إلى المجتمع المدني.

وكان الاتحاد الأوروبي قد قرر ومنذ قرابة الأربع سنوات، بوهب اتحاد بلديات الفيحاء الذي يضم طرابلس، والميناء، والبداوي والقلمون، بهدف بناء معمل لفرز أكثر من 500 طن يومياً من النفايات وتشغيله لمدة ثلاث سنوات، ولكن بعد سبعة أشهر من تشغيله، تم إغلاق المعمل نهائياً نتيجة انتشار روائح النفايات في مدينة طرابلس، لأنه لم يتم فرز النفايات كما هو مطلوب.

ولم يسلم رئيس الوزراء في حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، المؤيد للمحارق من اتهامات حرفوش، وبأنه جزء من عملية الاحتيال، التي يقول حرفوش، إن تكلفة كل منها حوالي 120 مليون دولار ولكن تم تضخيمها إلى 170 بحيث أن أولئك الذين يوقعون على إقرارها، يحصلون على حصة.

ويشير حرفوش بأصابع الاتهام على وجه التحديد، إلى المنظمات غير الحكومية ورئيس بلدية طرابلس، بسبب الوعود بحصة من هذه الكعكة (المحارق)، حيث يزعم حرفوش أنه تم رفض مصنعه الفرنسي في اللحظة الأخيرة، وأصبح مستهدفا بحملة تشويه ربطته بالموساد فضلا عن انهام المصنع المقترح بأنه لـ "مثلي الجنس".

ومن اللافت للنظر أن الاقتراح الأولي جاء ببعض التأثير السياسي من فرنسا، وفي تموز/يوليو 2018، قام وفد فرنسي من النواب بزيارة المصنع الحالي الممول من الاتحاد الأوروبي في طرابلس والذي تسبب في الرائحة الكريهة في المقام الأول – أي بالمعنى المجازي والحرفي (فساد)، وهذا ما أفادت به جاءت عضو فرنسي تدعى ناتالي غولي Nathalie Goulet.

التقى حرفوش في البداية مع السياسيين في طرابلس الذين طلبوا من فرنسا المساعدة، كما التقى بملياردير طرابلس ورئيس الوزراء السابق نجيب ميقاتي والرئيس ميشال عون، اللذين قالا إنه إذا كان بإمكانه إيجاد حل ، فسيدعمانه معتبرا العروض جوفاء إذ لم تؤدي لنتيجة تذكر.

"البخشيش"

على الرغم من ذلك ، فقد هناك مؤشرات سيئة ، أن اقتراحه قد يفشل لأنه لا يتضمن مكونًا حيويًا واحدًا: عنصر "البخشيش".

"لم يقبل لبنان بمشروعي لأن أحداً لم يأخذ أموالاً من الرشوة" ، قال حرفوش لـ TRT World في مكالمة هاتفية.

"حتى أن كل شخص اعتاد أن يسألني طلب المال مني، لكنني بالمقابل اعتدت أن أقول" لا يوجد مال "يوضح حرفوش، في لبنان، عادة ما يكون لصفقات المساعدات الدولية أو هذه المنح تسهيلات للسماح لأولئك الموجودين على الأرض بالحصول على الأموال كرشوة. المشاريع التي لا تملك هذا - أو التي ليس لديها رعاة مستعدون للتغاضي عن الاختلاس – وهذه المشاريع تسقط عادةً من أول عقبة، وبالفعل ، لم يسمح لمشروع حرفوش بالإستمرار.

وقال حرفوش:"كان الحريري صادقا معي للغاية، لكن في كل مرة ذهبت فيها إلى رئيس الوزراء، تأتي مجموعة  لإخباره أنه باستخدام المحارق، سوف يحصل المرء على 10 ملايين، وإن سمح بأخرى سيحصل على عشرة ملايين أخرى، لذلك فهمت أنه كان هناك خدعة ومخططا كبيرين"، يوضح حرفوش "هو مخطط الفساد الذي أراد طردي من لبنان، وقد وصل الأمر إلى أبعد من هذا، بنشر شائعات بأنني جاسوس للموساد".

يدّعي حرفوش في مقابلة أجراها مع قناة "تي أر تي"، بأنه التقى الحريري سبع مرات، وقد أعطاه  الضوء الأخضر دائماً، لكنه لم يسعى لاطلاق المشروع بشكل غامض، ما جعله يشكك بنوايا رئيس الوزراء اللبناني السابق. كما قال أن رئيس بلدية طرابلس، قاد حملة ضد المعمل الجديد متلطياً خلف المجتمع المدني. وبأنه سمع قصصاً عن ثلاثة محارق تقدر قيمة كل منها بـ 170 مليون دولار، بينما سعرها الحقيقي هو 120 مليون دولار، أي أنه خُطِّط لسرقة تبلغ قيمتها 50 مليوناً عن كل محرقة.

ويدعي حرفوش أيضا بأنه تعرض لتهديدات حقيقية من ميقاتي على الهاتف، لذا يخشى العودة إلى لبنان، مضيفاً إن مارياني هو الرجل الذي دفع ملف لبنان الآن إلى الأمام، وهو من فضح الاختلاس إلى جانب مساعدة اثنين من أعضاء البرلمان الأوروبي اليمينيين.

وختم حرفوش: يعلم الجميع أن مارياني شجاع، نظيف الكف وضد الفساد وفقير ويعيش في شقة صغيرة جداً في باريس. وهو مستعد للذهاب إلى لبنان في شباط/فبراير المقبل مع وفد برلماني لمتابعة التحقيق، ومعرفة أين ضاعت أموال الاتحاد الأوروبي".

بتصرف عن: TRT World







مقالات ذات صلة