روبرت هابيك: هل يصبح أول مستشار الماني من حزب الخضر؟
رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو
"لم يعد بإمكان الخضر أن يكونوا في الصف الثاني في الدفاع ... نحاول الآن أن نصبح صانعي ألعاب جدد" بهذه الكلمات عبّر زعيم حزب الخضر Die Grünen الجديد روبرت هابيك Robert Habeck عن نوايا الخضر بالمساهمة في السياسة الألمانية، وليس ذلك فحسب بل تمكن هو وشريكته أنايلا بيربوك Annalena Baerbock من تولي منصب رئاسة حزب الخضر الألماني في كانون الثاني/يناير 2018، وساهما بارتفاع حصة الحزب البيئي في صناديق الاقتراع، متجاوزا الحزب الاشتراكي الديموقراطي (يسار الوسط) ومتحديا أنجيلا ميركل وحزب المحافظين.
خلفية أدبية وثقافية
فإن أصبح روبرت هابيك (50 عاما) المستشار القادم لألمانيا، فلن يكون أول رئيس حكومة "أخضر" لاقتصاد كبير فحسب، بل سيكون أيضًا أول سياسي بدأ حياته المهنية من خلال ترجمة شعر شاعر ليفربول روجر ماكغو Roger McGough.
بدأ هابك وزوجته أندريا بالوخ، وكلاهما من خريجي كلية الآداب، في ترجمة بعض أبيات شعر ماكغو إلى اللغة الألمانية. وفازا على إثرها بجائزة ترجمة مرموقة، مما دفعهم إلى ترجمة أعمال الشاعرين WB Yeats و Ted Hughes وكتابة رواياتهم الخاصة في مرحلة الشباب في نهاية المطاف، علما أن هابيك كاتب وخصوصا لقصص الأطفال!
وليس ترشيح هابيك كمرشح للخضر لمنصب المستشار أمراً نهائيا: فقد جمعت قائدة الحزب الثانية، أنايلا بيربوك Annalena Baerbock البالغة من العمر 39 عامًا ، المزيد من الأصوات من قاعدة الحزب عندما أعيد انتخابها مع هابيك في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، إلا أن هابيك وبسبب كونه قد استلم سابقا مركزا أعلى على مستوى الولاية التي ينتمي إليها، إذ ان الأب لأربعة أطفال، دخل معترك الحياة السياسية للمرة الأولى في العام 2009، ليتم انتخابه كنائب رئيس وزراء الولاية التي ينتمي إليها Schleswig-Holstein والملقب بـ "وزير انتقال الطاقة" Energiewende minister بالإشارة إلى التحول بالطاقة الذي بدأه حزب الخضر بين الأعوام 1998 و2005، حيث تضم المنطقة الواقعة بين بحر البلطيق والبحر الشمالي، مزرعة الرياح في ألمانيا التي تولد كهرباء لسائر ألمانيا وتوظف 12 ألف شخص.
مستشار "أخضر"!!
وفي حال انهيار "الائتلاف الكبير" بين حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي Christian Democratic Union of Germany والحزب الاشتراكي الديموقراطي Social Democratic Party of Germany وهو متوقع في الأشهر القادمة بالنظر إلى القيادة اليسارية الجديدة للحزب الاشتراكي الديموقراطي، فمن الممكن أن يكون للخضر حصة الأسد، وإذا أعطت مثل هذه الانتخابات تحالفًا ثلاثيًا مع الحزب الديموقراطي الاشتراكي و Die Linke أو The Left (اليسار) بأغلبية حاكمة، فسيكون هناك مستشارا "أخضر"، ليس الأول في ألمانيا فحسب، ولكن في اقتصاد رئيسي في أوروبا والعالم.
كما أن الطريقة التي يعطي بها هابيك إجابات مباشرة على الأسئلة الكبيرة، تدل على الثقة بالنفس والتصميم، من رجل وصفته مجلة Foreign Policy بالفعل بأنه رد ألماني على إيمانويل ماكرون.
معركة المناخ... وإصلاح الإتحاد الأوروبي!
وقد يكون الثنائي ماكرون وهابيك، أفضل رهان لإعادة تشكيل التعاون الفرنسي الألماني بطريقة يمكن أن تُصلح الاتحاد الأوروبي، وتضع معيارًا عالميًا ذهبيًا لحماية المناخ، وتحول أوروبا إلى قوة عالمية أكثر حزماً، إذ يمكن لفرنسا أن تتصدر شؤون الأمن والشؤون الخارجية، وألمانيا في مجالي المناخ والطاقة، في مثل هذا التقسيم للعمل، من المؤكد أن الزعيمين لن يتعديا على حقل الآخر: فماكرون لم يثبت أي سمعة كبيئي، وهابيك يبتعد عن الجغرافيا السياسية عندما يستطيع.
وعند سؤاله إن كان يستطيع حقاً تخيل قيادة أكبر اقتصاد في أوروبا؟ من قبل كاتب المقال في "الغارديان" Philip Oltermann يرد هابيك على هذا السؤال، وهو جالس في مكاتب حزب الخضر في برلين، وعلى مقربة من مكتب المستشارة ميركل: "لا علاقة للأمر بالخيال، حاليا نحن في المركز الثاني في الاستطلاعات، إذا ظل هذا هو الحال في الفترة التي تسبق الانتخابات، فسوف نتمكن من أخذ هذا السؤال على محمل الجد".
يقول هابيك ، "إن سياسة مبنية على البيئة بقيادة الخضر ستكون أكثر اتساقًا مما كانت عليه في عهد ميركل، بينما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن الحكومة مع الخضر ستعتمد على القيم أكثر مما هي عليه الآن".
وأضاف:"سنخبر الصين أننا لن نحول المنتجات إلى بنية تحتية غير آمنة، فنحن لسنا متأكدين مما إذا كانت تشكل تهديدًا أمنيًا، كما سنحمل القيم الديموقراطية كأولوية وعاليا".
وقد طالب هابيك باستمرار بأن تعيد الحركة الخضراء تطوير نفسها للمكان الذي تجدها فيه الآن. في كتابه في العام 2016 Wer wagt, beginnt "من يجرؤ أن يبدأ" ، اقترح أن هناك محورًا يساريًا في السياسة يمهد الطريق أمام نطاق جديد من الأنظمة السياسية المفتوحة والمغلقة، وأن الخضر كانوا في وضع أفضل للظهور على القمة مع تعليق قوانين الجاذبية السياسية القديمة.
الخضر في قلب المجتمع الألماني!
يقول هابيك: "لم يعد الخضر مجرد الخط الثاني في الدفاع، لسد الثغرات التي فتحت في صفوف حزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي أو الحزب الاشتراكي الديموقراطي، نحاول الآن أن نصبح صانعي الألعاب الجدد.
وأضاف:"تم تأسيس حزب الخضر لمعالجة القضايا التي نسيتها الأطراف الأخرى، ولكن الآن هذه القضايا لها تأثير قوي علينا جميعًا، يدرك الناخبون أن عالمهم يتغير: لدينا ليالٍ بلا نوم في الصيف، الغابات تحترق، الأنهار تجف، وهناك تناقص في الموارد الغذائية للحيوانات.
وقال: "يمكن للأحزاب الخضراء أيضًا أن تعالج الأسئلة الرئيسية التي لا تتناسب مع الطيف التقليدي اليميني – اليساري، بوجود العديد من هذه الثقافات: كيف يمكنك تنظيم مجتمع مفتوح؟ كيف نؤسس توافقًا في مجتمع متنوع؟ "
ينحدر كل من هابك وبيربوك من الجناح البراغماتي للحزب، وهو الأول من نوعه منذ 30 عامًا في تاريخ الخضر الذي نشأ عن الحركة المناهضة للأسلحة النووية في سبعينيات القرن الماضي ودخل البرلمان لأول مرة في العام 1983.
هابيك يبتعد عن مصطلح "الوسط" ؛ تعبيره عن الاختيار هو أن الخضر يجب أن يكونوا "في قلب المجتمع". إذا كان هذا هو اتجاه السفر، فهل ينبغي أن تظل الأحزاب الخضراء تصف نفسها بأنها يسارية؟
يقول هابيك: "إذا كان اليسار يعني رؤية تقدمية، لصالح مجتمع منفتح، ضد حزب قومي مغلق مثل Alternative for Germany، ونظرته الفاشية للعالم، فإذن، نعم، نحن يساريون".
"إذا كان اليسار يعني صرف النظر عن أوروبا، والهجرة، والمخاوف البيئية باعتبارها بدعة حديثة، وحلم ببساطة، مثل كوربين، فإن الطبقة العاملة البيضاء القديمة سوف تغلق صفوفها مرة أخرى، إذن فاليسار في هذه الحالة فئة فارغة."
ولا يزال هناك عدد من النقاط المتعثرة على طريق السلطة أمام حزب الخضر، أحد الأسباب التي أدت إلى ضعف أداء الخضر في الانتخابات السابقة، هو أنهم فشلوا في التخلص من سمعته كحزبVerbotspartei ، أي الحزب الذي يريد حظر كل شيء.
يقول هابيك: "لا يمكن أن توجد سياسة لا تحظر الأشياء، لدينا قانون للطرق السريعة ، مدونة للقانون المدني، العالم مليء بالحظر المفروض من أجل ضمان حريتنا، ما يختلف مع الخضر هو أننا نتجرأ على تطبيق هذا التفكير على المسائل البيئية أيضًا".
ما حاول الخضر بقيادة هابك تجنبه ، كما يقول، أن يحاول تنظيم حياة الناس الخاصة، "إذا وضعت معايير على مستوى سياسي أوسع ، فهذا أمر جيد، إذا أخبرت الناس أن لديهم ميزانية سعرات حرارية محددة للبروتينات الحيوانية، فإن هذه فكرة سيئة، وإذا أخبرتهم أنه لن يكون هناك أي لحوم في المطاعم والمقاصف (الكافيتيريا) العامة بعد ظهر يوم الخميس، فهذا ليس جيدًا أيضًا، لأنك تحدد ما يمكنهم تناوله متى وأين، ولكن إذا وضعت معايير لكيفية معاملة الحيوانات التي تتناولها، فيمكنك الذهاب إلى متجر الكباب وتناول الطعام في أي وقت تريده".
تحديات...
المجال الآخر الذي يكافح فيه الخضر، هو أن رسالتهم لها صدى قوي في المناطق الحضرية، وفي ألمانيا الغربية قديما، فإنه في انتخابات الولاية في براندنبورغ في الشرق الاشتراكي سابقًا، حيث من المحتمل أن يؤدي التخلص التدريجي المزمع في ألمانيا من طاقة الفحم إلى القضاء على ما تبقى من صناعة التعدين، وجاء الخضر في المرتبة الرابعة هذا العام.
يقول هابيك، الذي يعيش مع أسرته المكونة من خمسة أفراد في أقصى شمال الريف من ألمانيا، على الحدود مع الدنمارك"حاولنا أن نوضح للناس أن هناك خططًا بعد إغلاق مناجم الفحم: مشاريع للبنية التحتية، والمستشفيات الجديدة، وخدمة الإنترنت السريع، لكن بعد تجربة كل هذه التغييرات الصعبة في الماضي، وجد الناس صعوبة في إعطاء الثقة".
وأضاف:"لكنهم بدأوا في الاستماع إلي عندما قلت: قبل أن نتحدث عما سيحدث بعد ذلك، سأقول شكراً لكم ولما قمتم به من تكريس حياتكم وصحتكم لبناء القلب الصناعي في البلاد".
وختم هابيك: " من المسلم به أنهم لم يبدأوا في التصويت لصالح حزب الخضر، لكنهم أدركوا أن هناك نوعًا من الاحترام هنا، يعرف الناس أن العالم يتغير، لكنهم يريدون الائتمان الذي يستحقونه لما حققوه تاريخياً. على السياسة أن تسمع وتتفهم الجانب الآخر".
عن الغارديان The Guardian، Foreign Policy بتصرف