قنابل حربية في وسط بيروت!
رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو
مع تجاوز مدة الإحتجاجات الشهرين، تمركزت بمعظمها في الساحات، كوسط بيروت، وطرابلس وعاليه وبعلبك وغيرها، بدلا من طريقة قطع الطرق التي كانت معتمدة في أيام ثورة 17 تشرين الأولى، خصوصا بعد الحادثة على أوتوستراد الجية، والتي أدت إلى وفاة شخصين،عدا بعض الأحيان كانت تتم عملية قطع الطرقات، ولفترة وجيزة، وكان من المتوقع أن نشهد أمنا أكثر خصوصا للمتظاهرين، لا أن تكون وسيلة لتمركز قمع الحراك الشعبي وبصورة مستفزة، للمواطن اللبناني أولا، وللمجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة، وهو ما يؤكد استخدام السلطة لعنف غير مبرر، وخصوصا القنابل المسيلة للدموع، والتي استخدمت بإفراط في الفترة الماضية.
وقد كتب الصحافي كريم شهيب وهو أحد كتاب موقع "عين الشرق الأوسط" Middle East Eye (MME) عن هذه القنابل، ووجد أنها تستخدم بصورة عسكرية، وأن استخدامها من قبل قوى مكافحة الشغب، دفع سبعة مقررين خاصين تابعين للأمم المتحدة لمجلس حقوق الإنسان لإصدار بيان في 26 تشرين الثاني/نوفمبر، أعربوا فيه عن قلقهم إزاء الاستخدام المفرط للقوات للقوة ضد المتظاهرين، بما في ذلك "كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع"، ودعوا السلطات اللبنانية إلى توضيح تدابيرها في هذا المجال، والتحقيق في هذه الحوادث.
الغاز المسيل للدموع
وفي هذا المجال، أوضح المقال أن: "قنابل الغاز المسيل للدموع التي تستخدم في بيروت - وعلى الأرجح خلال العديد من المحاولات اللاحقة الأخرى لقمع الاحتجاجات - ووفقا للصور الملتقطة، تم إنتاجه بواسطة شركة SAE Alsetex الفرنسية".
وتحتوي هذه القنابل كمكون رئيسي 2-Chlorobenzylidenemalononitrile ويعرف إختصارا بـ CS gas، ووفقا لتعريف "وايكيبيديا" فإن هذا الغاز يستخدم كعامل لمكافحة الشغب، والتعرض لأبخرته يسبب إحساسا حارقا في العينين إلى الحد الذي لا يستطيع فيه الشخص إبقاء عينيه مفتوحتين، كما ويحدث تهيجًا حارقًا في الأغشية المخاطية للأنف والفم والحلق، مما يؤدي إلى السعال المستمر، وزيادة الإفرازات المخاطية للأنف، والارتباك، بالإضافة إلى تهيج في الجلد وأعراض أخرى، وصعوبة في التنفس وألم في الصدر، وشعور بالغثيان والرغبة في التقيؤ، وعجز جزئي لدى الشخص المصاب، إلا أنه لا يعتبر غازا فتاكا، وهناك خطر الوفاة، وفي هذا المجال، فإنه وفقا لـمقال في "بوابة فيتو في العام 2013" فإن دراسة من قبل "مكتب الإستشارات الخاصة الأميركي"، هناك عاملين يحددان إمكانية حدوث الوفاة نتيجة لاستخدام هذا الغاز هما استخدام أقنعة الغاز من عدمه، وما إذا كان من يتعرضون للهجوم بالغاز موجودين فى منطقة مفتوحة أم مكان مغلق، وأنه عند عدم استخدام قناع غاز، وفى حالة وجود المهاجَمين فى مكان مغلق فإن هناك احتمالا واضحا لأن يساهم مثل هذا التعرض للغازات إلى إحداث الوفاة" وأن أسعار هذه القنابل آنذاك تراوح بين 40 و50 دولارا، ولا شك أن أسعارها قد تضاعف منذ ذلك الوقت.
القنابل
ووفقا لـ "منظمة العفو الدولية" Amnesty International ، فعادة ما يكون قطر قنبلة الغاز المسيل للدموع المعدة لاستخدام الشرطة 37 ملليمترا والأوزان بين 25 إلى 50 غرام، على النقيض من ذلك، فقد استخدمت في احتجاجات بيروت نوعان من هذه القنابل، وهي قنابل (CM6) و (G1)، ويبلغ قطر قنابل (CM6) 56 ملم وتزن 250 غراما، بينما يبلغ طول (G1) 56 ملم وتزن 350 غراما، ويحتوي كلا نوعي القنابل على ست كبسولات تنفصل بعد إطلاقها، مما يتيح للغاز المسيل للدموع لتغطية المزيد من المساحة على الأرض، وعدا عن الإختلاف في الوزن بين نوعي القنابل، فإن قنبلة (G1) لديها ميزة "الحركة العشوائية" random motion أي أن الكبسولات لا يمكن أن يقبض عليها المحتجون، وأن يعيدوا رميها نحو من أطلقها.
إلا أن قنبلة (CM6) تحتوي على ثلاثة أضعاف من غاز CS أي بتركيز 13 بالمئة بينما (G1) تحتوي 5 بالمئة،كما وتعتبر (CM6) من قبل الشركة المصنعة Alsetex كسلاح عسكري من المستوى A2 تحت التسمية الفرنسية French Nomenclature.
وتعتبر أسلحة الفئة A، بما في ذلك الفئة الفرعية A2، أسلحة ومعدات مصممة للحرب أو للنزاع المسلح، يتم تصنيف الأسلحة الأقل فتكًا للسيطرة على أعمال الشغب، بما في ذلك الغاز المسيل للدموع ، من قبل فرنسا لتقع في المستويات الدنيا من الفئة B0، ولم يتم ذكر(G1) في الحملات الدعائية الخاصة بهذه المنتجات.
ووفقا لـ "سكاي نيوز"، تشير تقديرات صادرة عن شركة Allied Market، وصول قيمة سوق القنابل المسيلة للدموع في عام 2022 إلى 9 مليارات دولارا، إلا أنه في المواجهات الأخيرة في بيروت لم تعرف أعداد هذه القنابل المستخدمة ولا أسعارها.
رأي علمي
وأرفق مقال MME، بإيضاح من عالم السموم Toxicologist، آلاستير هاي Alastair Hay الأستاذ في جامعة Leeds، بأن "كمية الغاز المستخدم كبيرة، وخصوصا لأولئك الأقرب إلى مكان إطلاقها، وقد تتسبب بمشاكل كبيرة"، وبالنسبة إلى Hay، "يُسمح لشرطة عناصر مكافحة الشغب باستخدام هذه القنابل، بموجب القانون الدولي"، وحذر من الحالات التي "تستخدمها العديد من الدول بشكل مفرط"، كما شجع الأطباء وغيرهم على الأرض على "تسجيل وتوثيق" الاستخدام المستمر للغازات المسيلة للدموع ضد المتظاهرين في لبنان. وقال إن "مثل هذه البيانات بدورها يمكن استخدامها للضغط على السلطات لتقييد كيفية استخدامه".
التناقض الفرنسي
وللمفارقة، وعلى الرغم من دعوات فرنسا العديدة إلى حماية التظاهر السلمي، فإن الشركة المصنعة لهذه القنابل فرنسية، وفي عام 2018، أعلن رئيس الحكومة المكلفة سعد الحريري أن فرنسا تعهدت بتقديم 400 مليون يورو (440 مليون دولار) كمساعدة لكل من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني، ويبدو أن هذه القنابل من ضمن هذه التقدمات، ما جعل المتظاهرين حذرين من أي تدخل فرنسي في الانتفاضة الحالية، خصوصا لجهة دعم فرنسا لقوى الأمن والجيش اللبناني، فضلا عن تاريخ باريس الطويل في التدخل في لبنان ، بما في ذلك خلال فترة الانتداب في النصف الأول من القرن العشرين، لذا، تجمع المتظاهرون أمام السفارة الفرنسية في العاصمة اللبنانية في 12 تشرين الثاني/نوفمبر لرفض أي تدخل أجنبي بعد رحلة قام بها المبعوث الفرنسي إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كريستوف فارنو - رغم أن الأخير قال إن هدف زيارته ليس "فرض" حلول أو أسماء "ولكن" لمعرفة ما تفكر فيه الأطراف المختلفة".
وتبقى مسألة تكلفة استخدام هذه القنابل وعددها والمبالغ المخصصة لها، على عاتق المواطن اللبناني، الذي لايقمع بواسطتها فحسب بل يدفع ثمنها ورواتب من يطلقها من جيبه ومن قوته، وعلى حساب صحته فبالإضافة إلى ما تتسبب من آثار صحية على المتظاهرين، وكلفة علاج من يتعرض لها وتعطيلهم عن أعمالهم، وتهديد للسلامة العامة، وكل ذلك وسط أزمة اقتصادية خانقة تهدد بالإنهيار الشامل.
المصادر: MME، سكاي نيوز، وايكيبيديا، ووكالات