النائب طارق المرعبي... وأيادي السعودية "البيضات"!
"إليسار نيوز" Elissar News
من يحاول التمعن في مجريات الأمور، خصوصا في الأيام التي عشناها منذ ثورة 17 تشرين، نفاجأ بعمق ثقافة وسعة اطلاع الجمهور ولا سيما الشباب منهم، وهو ما فتحت القنوات الفضائية المجال لهم للتعبير عن آرائهم، ومواقفهم، وقد يكون هدف هذه القنوات الوصول إلى ترتيب أعلى في سباق التصنيف، ولكن هذا الأمر أثبت عمق الهوة والشرخ بين الجيل الجديد، والسياسيين، وبعد السخرية التي واجهوا بها الثورة في أيامها الأولى، بدأوا يحسبون لها ألف حساب، فطفل صغير في الإنتفاضة الشعبية، يعرف أن "بيضات" هو جمع "بيضة" وهي لفظة شعبية عموما وقلما تستخدم بالفصحى، ولكن النائب محمد طارق المرعبي وهو عضو في تيار المستقبل، متكلما بالفصحى، وأثناء مقابلة على موقع "الحدث" الإعلامي، ارتأى جمع اللون الأبيض بيضات مشيرا إلى أيادي السعودية "البيضات" في لبنان.
وقد تناولت الفيديو تعليقات عدة، مطالبين المرعبي بالعودة إلى مقاعد الدراسة وتعلم لغته العربية، وهو بكل الأحوال وقد يكون خطأ بريء وقد وقع مرات عدة في السابق، ولكن ألا يحق لنا التساؤل، هل يستحق من يتبوأ مراكز السلطة في البلاد أن يتواجدوا أو يستمروا، خصوصا بعد المناوشات والكلام البذيء بين الكتل المختلفة، ورمي التهم، والإشاعات، والدعاوى والملفات التي يكشفونها تباعا، وهناك أمثلة لا تعد ولا تحصى، وإن كان آخرها ما قام به النائب صاحب الحصانة النيابية، والمحامي العالم بالقانون، عند هجومه بصورة غير مقبولة على قاضية، ولأهداف لا يمكن أن تكون بعيدة عن تناتش الحصص بين أجنحة السلطة المختلفة، والضغط لأهداف سياسية ومكاسب إقتصادية والتأثير على الأتباع والولاء لأولي الأمر منهم.
وبالموضوعية ذاتها، فليس التهجم في هذا المجال على المملكة العربية السعودية، والتي ساهمت بدعم لبنان وفي أحلك الظروف، واستقبلت اللبنانيين في الحرب اللبنانية، وساهم اللبنانيون بدورهم مع الكثير من الجنسيات الأخرى التي وفدت إليها للعمل في ازدهارها، ونموها، إنما نتناول الأمر من منحى مخالف تماما.
فمن جهة ثانية، فإن الوقوف عند هذا الأمر، ليس بداعي السخرية، أو التصويب على تيار معين أو كتلة معينة فحسب، بل التصويب على معظم إن لم يكن كل أفراد السلطة، وإن كنا قد استبشرنا خيرا بجمهور الشباب من النواب في مجلس النواب المنتخب، إلا أن معظمهم استلمها كوراثة أو كتبعية لكتلة معينة، وليس لما يملكه من مؤهلات، وفي الوقت ذاته لنثبت مدى ثقافة شبابنا بالمقارنة مع معظم نواب الأمة وسياسييها الشباب منهم والمسنين، فمعظمهم مجرد أرقام في التصويت لقوانين مصيرية "مثل قانون العفو العام الخطير" وغيره، وجزء من كتلاتهم النيابية، وتياراتهم وولاءاتهم الخارجية وخياراتها التي تستخدم الطائفة والخطاب الطائفي وبأبشع الصور، في السلم والحرب، فالعديد منهم وقّع، ويوقّع وسيوقّع على الكثير، دون أن يعي، ما يترتب على هذا الصوت في القوانين ومقدرات البلاد والعباد، بمجرد أن "أتاه" الأمر بذلك أو الإجماع على ذلك!.
ولا نستثني المواطنين، عندما جيش الزعماء الناس طائفيا في الإنتخابات، أو عند شراء أصواتها، كما أثبته تقرير جديد لـ "جمعية الشفافية اللبنانية – لا فساد"، وهو أمر عايشناه في كل انتخابات، ومنها تسعيرة الصوت الإنتخابي (وفي الإنتخابات الأخيرة التفضيلي) وبأن سعر الصوت 100 دولار أو أقل، أو الوساطة لوظيفة أو توسلا لحق مكتسب للمواطن في الطبابة والإستشفاء، ليحصل عليها بعد ذل بورقة من الزعيم، وهو ما اعترفت به إحدى المسنات على إحدى القنوات اللبنانية، أنهم حرموها من راتبها الشهري، لأن أحدهم اشتكى عليها لدى زعيم، أنها لم تصوت له في الإنتخابات، فحرمها من راتبها، وأمثلة كثيرة غيرها.
ثورة 17 تشرين باقية، ومستمرة، وستغربل كل الفساد المستشري، بهدف أن ينال المواطنون حقوقهم بكرامة، ودون استجداء من أحد، وما المماطلة والتسويف في الإستشارات، إلا وسيلة من الوسائل المتعددة لضربها "تحت الحزام"، وبالشدة والتخوين أحيانا، وكل الوسائل مسموحة ما دام الغاية المبتغاة، وهي أن يظل في مراكز السلطة أشخاص، يتبعون زعمائهم بصورة عمياء، وبالقليل من الثقافة وحتى معرفتهم بلغتهم الأم العربية، ويعبرون عن هذا ولو حتى بـ "البيضات".