نادين لبكي تفوز بجائزة للبنان... وتشعلها ثورة من أميركا!
رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو
ليس الفن بمعزل عن هموم الناس ومشاغلهم وقضاياهم، بل إن الفنان في مجالاته المختلفة، رسم ونحت وتمثيل ومسرح وإخراج، وغيرها من الفنون، يستوحي مما حوله الإبداع والإبتكار، وليعبر من خلال هذه المساحات حوله في عمله الفني.
لذا فليس من المستغرب أن تنال المخرجة ندين لبكي جائزة من معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن أواخر الشهر الماضي عن فيلمها "كفرناحوم"، وهو الفيلم عينه الذي منح لبكي أيضا أول ترشيح لجائزة الأوسكار، وجعلها أول مخرجة لبنانية تترشح لهذه الجائزة، كما أن هذا الفيلم مكنها من أن تصبح أول مخرج عربي يفوز بجائزة كبرى في مسابقة كان.
وكان اللافت تأثر لبكي أثناء خطاب قبولها لجائزة عصام فارس للتميز من المعهد في 12 تشرين الثاني/نوفمبر، والذي شهد حضور العديد من المهاجرين اللبنانيين، والذين قاطعوا كلمتها مرارا بالتصفيق، وتوجهت لهم بالقول: "لبناننا بحاجة إليكم".
وبعد تقديمه لبكي عدد رئيس معهد الشرق الأوسط بول سالم إنجازاتها، وسلمها جائزة التميز لتقوم بإلقاء كلمة أمام الحضور، وأمام زخم كلماتها، لم نستطع إلا نقلها للجمهور اللبناني والعربي والمتكلمين باللغة العربية وحرفيا، كرسالة "ثورية" ووطنية، تعبر بالدرجة الأولى عن العنفوان والألق والروعة التي يشعر بها ليس كل من شارك في الثورة والإنتفاضة اللبنانية، بل كل إنسان وطني ومن كل جنسية كانت وفي كافة أنحاء العالم، وهو ما مكن لبكي من أن تشعل ثورة من العاصمة الأميركية واشنطن.
وقد توجهت بعدها لبكي للجمهور فقالت: شكرا بول سالم للشرف العظيم، شكرا لمعهد الشرق الأوسط للتفكير بي بهذه الجائزة، وحقيقة، فقد شعرت بأن هذا الفيلم هو واجب، لذا فعند تلقي هذا الشرف منكم أشعر بالغرابة، كونني اعتبرته واجبا علي، وقد شعرت أني لو بقيت صامتة، وتأقلمت مع الوضع الذي يتواجد فيه أولئك الأطفال في لبنان، حيث يكافحون في كل يوم من حياتهم، بالعمل أو بيع اللبان (العلكة)، وحمل الأوزان الثقيلة خلال عملهم في محال السوبرماركت في توصيل المواد الإستهلاكية إلى المنازل (صبي توصيل)، وعدم استطاعتهم الذهاب إلى المدارس، أو كتابة أسمائهم لأنهم لا يملكون القدرة المالية للذهاب إلى المدارس، ولأنهم لا يملكون أوراقا ثبوتية، فقد شعرت بأن هذا الفيلم هو واجبي، وكان ثورتي الصغيرة، لذا أنجزت هذا الفيلم، لأني شعرت بأني احتجت لكسر حاجز الصمت.
لكنني هنا اليوم لأتحدث عن ثورة أخرى، ثورة تحدث في وطني لبنان، وأعلم أن معظمكم يعرف هذا الأمر، ويمكنني أن أميز العديد من الوجوه اللبنانية هنا، لذا سأخبركم أني كنت أكافح في اليومين الماضيين مع فكرة ترك بيروت في الوضع الحالي، فكما تعلمون واليوم ايضا شهدت بلادنا اضطرابات ولكن لن اتكلم بالتفاصيل عن ذلك، إلا أنه هناك شاب، بطل ثائر شاب (وتقصد علاء أبو فخر)، توفي اليوم، ولبنان في حالة صدمة، وكل الشباب والشابات الذين شاركوا في الثورة خلال الـ 28 يوما السابقة في حالة صدمة وغضب.
وقبل بضعة أيام، وجدت نفسي مع زوجي، وكنا جالسين على الرصيف في منتصف مفترق طرق مع غرباء وطلاب جميلين وشبان ومواطنين من بلدي، لقد أدركت بينهم بعض الوجوه المألوفة. لكن بقيتهم لم أرهم من قبل، كان قلبي يعصف بجنون بينما كانت قوات الأمن تقترب منا لكسر المظاهرة، مختبئين وراء دروعهم وأغطية رؤوسهم السوداء وخوذاتهم. لقد بدوا مثل آلة حديدية كبيرة مخيفة تقترب منا بحركة بطيئة، تمامًا كما في فيلم. كان قلبي ينبض بقوة، فلم أكن في موقف مثل هذا من قبل، ماذا يحدث في مثل هذه الحالات؟ كيف نتفاعل؟ ثم ببطء، في وضع غريزة البقاء الطبيعي للغاية، أخذت النساء مواقعهن في الصفوف الأمامية، وجلسن على الأرض وفي المقدمة، وشبكت الشابات اللاتي يجلسن بجواري على كل جانب أذرعهن معي ومع بعضهن البعض، وتشبثنا بإحكام مع بعضنا البعض، وشكلنا درعًا بشريًا بينما لا نزال نجلس على الأرض، بدأت فجأة أشعر بهذه الطاقة الغريبة التي تملأني، الشراكة السرية مع اثنين من الغرباء المثاليين، لم أكن أعرف ما أسمائهن ومن كن،كل ما أعرفه هو أنني شعرت بطاقتنا تتماهى مع بعضنا البعض، هذه الرابطة الأصيلة التي تربط بيننا جميعًا كبشر.
مع اقتراب الآلات منا، مهددة وبشكل فجائي ومحاولة إبعادنا عن بعضنا البعض، في محاولة لكسر الدرع البشري، بدأنا ننظر مباشرة في عيونهم، نظرنا إلى تلك العيون لفترة طويلة وهتفنا، "سلمية، سلمية"، ثم ببطء، بدأت المعجزات تحدث، بدأت الآلات البشرية تهدأ، وعادت ببطء للوقوف بمواجهتنا وعلى بعد أمتار قليلة منا، أصبح أصوات تنفسها بشريا وثقيل، وبدأنا بتمييز العيون الجميلة الضائعة خلف الدروع وأغطية الرؤوس، هنا كانوا، ضباط لبنانيون جميلون، مواطنون لبنانيون مثلنا، ليست آلات، وليس روبوتات، لقد توقفوا للتو، فاقدين القدرة على التصرف، عيونهم دامعة، لا يعرفون كيفية الرد وكيفية التعامل معنا وكيفية التعامل مع الأوامر. مع الأوامر الواردة من هناك، الطلبات الواردة من أولئك الذين لهم قلوب الآلات وعقولها، لقد وقفوا هناك كتفا الى كتف لساعات، بينما كنا نجلس هناك لنصبح أولياء أمورنا، بينما هتفنا بسلام من أجل حقوقنا، وفي تلك الساعات القليلة بينما جلسنا هناك، فهمت ووعيت لقوة الوحدة، قوة الخير، قوة الإرادة، طاقة العقل، قوة السلام، قوة الحب، السر الذي يربطنا ببعضنا البعض على الرغم من كل شيء، والأهم من ذلك، قوة القتال، القتال من أجل ما هو صحيح ومحق، ليس بالأسلحة، وليس بالعنف، ولكن بالأزهار والإرادة.
كان كل واحد منا يقاتل لسبب مختلف. كنا نقاتل من أجل الحصول على المياه النظيفة، من أجل الكهرباء، من أجل فرص عمل عادلة، من أجل حق الجميع في التعليم، والهوية، والغذاء النظيف، والهواء النقي، كنا نقاتل من أجل التسامح، والمساواة، والرعاية الصحية الملائمة، ونقاتل من أجل هؤلاء الأطفال في لبنان الذين يبلغ عددهم 60 ألف طفل يجوبون شوارع لبنان، أولئك الذين تحدثت عنهم في هذا الفيلم، ويقومون بأصعب الوظائف في الشوارع والمصانع، كنا نحارب الاستغلال، ونناضل من أجل حقوق أمهاتنا، من أجل حقوق أطفالنا، من أجل كبار السن وحقوقهم، من أجل محاربة زواج الأطفال، من أجل العدالة الاجتماعية، ببساطة نحارب من أجل حقوقنا، ولا يمكن لأحد أن يأخذ هذا منا، بغض النظر عن مدى قبح اللعبة. لن يمكنهم أن يأخذوا هذا منا.
لهذا السبب أؤمن بهذه المعجزة، لم يسبق لي أن رأيت هذا الكم من الأمل، من الابتسامات، من النقاشات، من الأفكار، من العقول الرائعة، من الرقص والهتاف، من القوة، من المرونة، من المواهب، من الشعور بالانتماء، من الوحدة، مما شعرت به خلال الـ 28 يوما الماضية، لقد كشفت هذه الثورة عن طموحاتنا، عبقريتنا، وإمكانات شبابنا، وإبداعهم، حتى في الاضطرابات والصعوبات، لم أشعر أبداً بالأمان الذي شعرت به لأني علمت أن بلدي سيكون في أيد أمينة، وسيخرج بلدي من الفوضى التي وصفتها في الفيلم.
وفي الوقت نفسه، لم أر أبداً قدرًا من اليأس والعجز وعدم الكفاءة والخوف فيما نسميه طبقتنا الحاكمة. لم أشعر أبداً بهذا القدر من الاشمئزاز لأنظمتنا الحالية.
وإذا سألتموني من يحكم لبنان اليوم، أقول لكم إنه الشعب، إنه ليس السياسي، ليس بالعنف، وليس بالكراهية، ولكن بإحساس كبير بالمواطنة، و بذكاء، بمقاومة سلمية، اجمل نوع من المقاومة، لقد عادت السلطة لأيدي اللبنانيين، والآن عندما أنظر إلى الوجوه اللبنانية هنا، أعتقد أنني هنا أيضًا في مهمة، أنا في مهمة لأعيدكم إلى الوطن معي.
لبناننا يحتاجكم، اللبنانيون هنا الذين فقدوا الأمل، والذين استسلموا، ليهاجروا من أجل إيجاد حياة أفضل ومكان أفضل، أنتم بحاجة إلى لبنان الآن بقدر ما يحتاجكم لبنان. لبنان يحتاجكم جسديًا بمعرفتكم وعلمكم وطاقاتكم ومواهبكم وحسن نواياكم. عودوا إلى الوطن معي لمدة يوم أو عطلة نهاية أسبوع. تعالوا لقضاء عيد الميلاد. لنبدأ مهمة تحويل بيروت إلى أكثر المدن بهجة وفرحا في العالم في عيد الميلاد المجيد.
الطريق طويل ومليء بالعقبات، لكن الرحلة تستحق العناء، عندما ترون هذا التصميم في عيون مئات الآلاف من الناس والطلاب في شوارع بيروت، ستعرفون ما أتحدث عنه، إنه جيل كامل قرر أن يأخذ مصيره بيده، أولئك الذين نسميهم جيل الألفية قرر استعادة لبنان وعدم تركه يضيع مرة أخرى. سيكونون هم الذين سيجلسون تحت الأشجار التي ستزرعها اليوم، ولن يسمحوا بمستقبل أقل سطوعًا مما يستحقون، تعالوا وكونوا جزءًا من ولادة أمتنا الجديدة، لبنان الجديد. البلد الذي طالما حلمتم به، تعالوا تملكوا أرضا أو منزلا أو شجرة تحت سمائه، تعالوا لزيارته كل عام، دعوا أطفالكم يقضون الصيف هناك، نحن جميعا في مهمة. هذه هي اللبنة (الصخرة) في جدار الإنسانية التي سنضيفها. لنجعل هذه النقطة الصغيرة على خارطة العالم التي تسمى لبنان مصدر إلهام حقيقي للعالم. شكرا لكم.
هناك أمر آخر أريد أن أخبركم به، كل ليلة في تمام الساعة 8:00 مساءً، كل لبنان، يخرج الجميع إلى شرفاتهم، ثم يبدأون في ضرب الأواني والمقالي لجعل أصواتنا مسموعة، اليوم، أريدكم جميعًا أن تطرقوا على أي شيء لديك هنا لإثارة الضجيج وأيضًا أن نشيد بالبطل الجميل الذي استشهد الليلة. شكرا لكم...
ملاحظة:نص المقال باللغة الإنجليزية سينشر في وقت لاحق