نظام الطاقة العالمي 2019... الإنذار بفشل خطط الاكتفاء الذاتي والتنمية المستدامة

مشاركة


البيئة طاقة متجددة

 

المهندس حيدر حرز يوسف

باحث في مجال الطاقة – العراق

 

لمن يدرس عن قرب تفاصيل عالم الطاقة اليوم يلاحظ التباينات العميقة والتنافر بين أسواقه المختلفة، وأولها أسواق مصادر الطاقة بسبب التوترات الجيوسياسية المتنامية، والفجوة بين الكميات المتزايدة باستمرار من انبعاثات الغازات الدفيئة التي يتم إنتاجها، وعدم كفاية السياسات المعلنة للحد من هذه الانبعاثات، وبما يتماشى مع الأهداف المناخية الدولية، كذلك تناقض الوعود بتوفير الطاقة للجميع مع الواقع الذي يبين عدم توفر الكهرباء لـ 1000 مليون شخص في كافة أنحاء العالم.

في التقرير الاخير للوكالة الدولية للطاقة عن احوال الطاقة 2019، يبين تأثير قرارات اليوم على أنظمة الطاقة غدًا، ويصف الطريق الذي يمكّن العالم من تحقيق أهداف المناخ، والوصول إلى الطاقة وجودة الهواء مع الحفاظ على تركيز قوي على وثوقية الطاقة والقدرة على تحمل تكاليفها لسكان العالم المتزايد.

 

الخطط الطموحة

 

كما هو الحال دائما، تظل القرارات التي تتخذها الحكومات مؤثرة جدا بالنسبة لمستقبل نظام الطاقة. هذا واضح في الاختلافات التي تبينها تقارير الطاقة من المنظمات العالمية المتخصصة بشؤون الطاقة التي تحدد الطرق المختلفة التي يمكن للعالم اتباعها على مدار العقود القادمة، اعتمادًا على السياسات والاستثمارات والتقنيات والخيارات الأخرى التي يتبعها صناع القرار اليوم. تسعى هذه السيناريوهات معًا إلى معالجة مسألة أساسية وهي كيفية الانتقال من حيث نحن الآن إلى المكان الذي نريد الذهاب إليه.

يظهر سيناريو السياسات الحالية، المسار الذي يسير به العالم حاليًا، والذي يوفر صورة أساسية لكيفية تطور أنظمة الطاقة العالمية إذا لم تقم الحكومات بإجراء أي تغييرات على سياساتها الحالية. في هذا السيناريو، يرتفع الطلب على الطاقة بنسبة 1.3 بالمئة سنويًا إلى عام 2040، مما يؤدي إلى توترات في جميع جوانب أسواق الطاقة واستمرار المسيرة الصعودية القوية في الانبعاثات للغازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة.

 

يتضمن سيناريو السياسات الموضوعة من قبل التجمعات العالمية الكبيرة والمعنية بشؤون الطاقة والمؤثرة تاثيرا حقيقيا بهذا المجال، ونعني بها البلدان الصناعية والبلدان ذات الاقتصادات الكبيرة والبلدان المستهلكة للطاقة، والمعروف سابقًا بإسم سيناريو السياسات الجديدة، نوايا وأهداف السياسة الحالية بالإضافة إلى التدابير اللازمة للوصول الى الهدف الذي بيان خطة اليوم وتوضيح عواقبها، ونلاحظ انه لا يزال المستقبل في هذه الخطط، والسيناريوهات بعيدًا عن المسار المستهدف  للوصول الى وضع آمن ومستدام للطاقة. وعلى هذا الاساس فاننا نتوقع ان نرى في  عام  2040 عالم لا يزال فيه مئات الملايين من الناس لا يحصلون على الكهرباء، والوفيات المبكرة المرتبطة بالتلوث وانتشار الغازات الدفيئة حول المستويات المرتفعة اليوم، والتي تحصد حياة الملايين من البشر، وحيث يمكن لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون أن تحدث آثاراً شديدة في تغير المناخ.

 

التنمية المستدامة

 

وفي هذا المجال، فإن خطط التنمية المستدامة، ومتطلبات تحقيق أهداف المناخ وغيرها من أهداف الطاقة التي حددها صناع السياسة في كافة أنحاء العالم، بهدف تطبيق اتفاقية باريس التي تهدف إلى (الحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ما دون 2 درجة مئوية ومتابعة الجهود المبذولة للحد منه إلى 1.5 درجة مئوية)، يتطلب تغييرات سريعة وواسعة النطاق في نظام الطاقة العالمي، تؤدي الى تخفيضات حادة في الانبعاثات، بفضل أنواع الوقود والتقنيات المتعددة التي توفر خدمات طاقة تتسم بالكفاءة والفعالية ومتاحة من حيث الكلفة للجميع.

 

تحولات الطاقة

ونلاحظ ان توقعات الطاقة العالمية لهذا العام، هو أنه لا يوجد حل واحد أو بسيط لتحويل أنظمة الطاقة العالمية لتلافي النتائج السيئة المذكورة لانظمة الطاقة من تلوث وعدم اكتفاء وفوضى الكلفة، وتاثيرات مناخية، حيث ان العديد من التقنيات وأنواع الوقود لها دور تلعبه من الناحيه الاقتصادية والاجتماعية واعتماد اقتصادات كبيره عليها. ولمعالجة هذا التعقيد، نحتاج إلى قيادة قوية من صانعي السياسة، حيث تتحمل الحكومات أوضح المسؤولية للتصرف ولديها أكبر مجال لتشكيل المستقبل، وكما أسلفنا فإنه يزداد الطلب على الطاقة بنسبة 1.3بالمئة سنويًا حتى العام 2040، ويعتبر توفر المصادر المنخفضة الكربون، التي تقودها الطاقة الشمسية الكهروضوئية، أكثر من 50 بالمئة من هذا النمو، ويمثل الغاز الطبيعي 30 بالمئة، ويتراجع الطلب على النفط بحلول 2030، بينما يتراجع استخدام الفحم.

بعض أجزاء قطاع الطاقة، بقيادة الكهرباء، تمر بتحولات سريعة، وفي بعض البلدان، ولا سيما تلك التي لها طموحات  Net Zero، والذي يعني صافي انبعاث صفري في منتصف القرن، حسب اتفاق باريس 2015 تمضي في إعادة تشكيل جميع جوانب العرض واستهلاك الطاقة.

ومع ذلك، فإن الزخم الكامن وراء الطاقة النظيفة لا يكفي لتعويض آثار الاقتصاد العالمي الآخذ في النمو وتزايد عدد السكان، من الممكن ان يتباطأ ارتفاع الانبعاثات ولكنه لا يبلغ ذروته في التباطؤ قبل العام 2040.

 

ثورة الصخر الزيتي

 

من المقرر أن يظل إنتاج الصخر الزيتي من الولايات المتحدة مرتفعًا لفترة أطول مما كان متوقعًا في السابق، ما يعيد تشكيل الأسواق العالمية والتدفقات التجارية، وتبرز ثورة الصخر الزيتي بتغيير سريع في نظام الطاقة ومن  الممكن عندما يتم إكمال دفعة أولى لتطوير تكنولوجيات جديدة بحوافز سوقية قوية، واستثمارات واسعة النطاق فيه تكون الآثار مذهلة، حيث يعمل الصخر الأميركي الآن كقوة موازنة قوية للجهود المبذولة لإدارة أسواق النفط.

 

أمن الطاقة

إلى جانب المهمة الهائلة المتمثلة في وضع الانبعاثات على مسار مستدام، يظل أمن الطاقة في مقدمة أولويات الحكومات في كافة أنحاء العالم، لم تختف المخاطر التقليدية، والمخاطر الجديدة مثل الأمن السيبراني، والطقس القاسي تتطلب اليقظة المستمرة، وفي الوقت نفسه، يتطلب التحول المستمر لقطاع الكهرباء من صانعي السياسة التحرك بسرعة لمواكبة التغير التكنولوجي والحاجة المتزايدة إلى التشغيل المرن لأنظمة الطاقة.

 

متطلبات المرحلة

 

يحتاج العالم بشكل عاجل إلى التركيز على خفض الانبعاثات العالمية، وهذا يدعو إلى تحالف كبير يضم الحكومات والمستثمرين والشركات لان خطط التنمية المستدامة الخاص بنا مصمم خصيصًا للمساعدة في توجيه أعضاء هذا التحالف في جهودهم الرامية إلى مواجهة تحدي المناخ الهائل الذي يواجهنا جميعًا.

 

كفاءة استخدام الطاقة

 

إن الانتعاش الحاد في تحسين كفاءة استخدام الطاقة هو العنصر الذي يدفع العالم نحو سيناريو التنمية المستدامة، في الوقت الحالي وقد تباطأت الكفاءة بمعدل 1.2 بالمئة في العام 2018، ومن المعروف أن الكهرباء هي واحدة من مصادر الطاقة القليلة التي تشهد زيادة في الاستهلاك على مدار العقدين المقبلين في سيناريو التنمية المستدامة، إن حصة الكهرباء من الاستهلاك النهائي تتفوق على استهلاك النفط، الذي يعد اليوم رائدًا، بحلول العام 2040 نطمح ان توفر طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية جميع الزيادة في توليد الكهرباء .

 

التوصيات

سوف يتطلب وضع أنظمة الكهرباء على مسار مستدام أكثر من مجرد إضافة المزيد من مصادر الطاقة المتجددة، يحتاج العالم أيضًا إلى التركيز على الانبعاثات في الأنظمة الحالية وعلى مدار العشرين عامًا الماضية، استحوذت آسيا على 90 بالمئة من إجمالي السعة التي تعمل بالفحم والتي تم بناؤها في كافة أنحاء العالم، ومن المحتمل أن يكون لهذه المصانع فترات تشغيلية طويلة ونحتاج هذا العام دراسة خيارات لتخفيض الانبعاثات من أسطول الفحم العالمي الحالي.

 







مقالات ذات صلة