إنقاذ ضبع في بلدة دير إنطار جنوبا!
سوزان أبو سعيد ضو
على الرغم من حوادث التعدي على الحياة البرية التي نشهدها في لبنان، والتي يستطيع ناشطون اكتشاف نزر يسير منها، ونحاول الإضاءة عليها في موقعنا "إليسار نيوز" بقصد التوعية على دور الأنواع المختلفة في استدامة النظم البيئية والموائل، تظهر بقع مضيئة في هذا الملف الشائك، وهو ما وثقه ناشطون من جمعية "الجنوبيون الخضر" Green Southerners بحادثة إنقاذ ضبع في بلدة دير إنطار في قضاء بنت جبيل.
وفي هذا السياق، أوضح الناشط حسن جابر من جمعية "الجنوبيون الخضر" ما حدث، وقال لـ "إليسار نيوز": "على إثر تبلغ المرصد الأخضر التابع للجمعية، عن عملية سحل طاولت ضبعا في بلدة دير انطار قضاء بنت جبيل، كما أظهر تسجيلين ذلك من دون تحديد تاريخ، وبعدما تحققنا من المعلومات من مجموعة من شباب البلدة، تبين أن الضبع لا يزال حياً، ومصابا جراء وقوعه في شرك، قمنا بإبلاغ قوى الامن الداخلي، فبادرت على الفور بالتحرك وفتح تحقيق لتحريره، وأبدى الشباب كل التعاون، وبالفعل تم تسليم الضبع لأفراد مفرزة الإستقصاء في قوى الأمن الداخلي، والتي بدورها سلمته لنا في دير إنطار، حيث تم نقله، وأخضع للعلاج الأولي، وتبين أنه مصاب بقدمه إصابة غير خطرة،كما تلقى ضربة طفيفة على رأسه، وقد تم علاجه بصورة أولية، وبقي لدينا قبل نقله في اليوم التالي الى مركز التعرف على الحياة البرية في مدينة عاليه، حيث تسلمه مدير المركز الدكتور منير أبو سعيد بحضور الطبيبين البيطرين ثريا دباغ وصالح فارس (أعضاء لجنة حفظ الحياة البرية والتنوع البيولوجي في جمعية الجنوبيون الخضر) اللذان عايناه وأعطياه بعض المضادات الحيوية".
دباغ
بدورها علقت عضو الهيئة الادارية في الجمعية، الطبيبة البيطرية ثريا دباغ، وقالت لـ "إليسار نيوز": "الضبع في حالة صحية جيدة، وسنتعاون مع الدكتور أبي سعيد على متابعة ومراقبة تطور عملية تأهيله، وهو ليس بالأمر السهل، ولكن بالنظر الى صغر سنه الذي يعتبر عاملا مساعدا، فإن هذا الأمر قد يكون ممكنا".
يونس
من جهته قال رئيس جمعية "الجنوبيون الخضر" الدكتور هشام يونس: "إن إنقاذ الضبع يشكل إنجازا لصالح الحياة البرية اللبنانية، ويصب ليس في إطار جهود حماية واستعادة البرية اللبنانية فحسب، بل ونشر الوعي البيئي الذي تعمل عليه الجمعية"، مشيراً الى "الأهمية التي توليها الجمعية للحفاظ على الضباع المخططة المهددة بخطر الإنقراض سواء محليا أو عالمياً، فضلاً عن باقي الأنواع ، وحملات التوعية المنتظمة التي اطلقتها منذ ٢٠١٤ والتي أسهمت في زيادة الوعي حول أهمية هذه الحيوانات الحيوية التي استوطنت هذه البرية منذ الاف السنين ووجدت لنفسها سلالة محلية هي السلالة السورية Hyaena hyaena syriaca، والتي تلعب دوراً يكاد يكون فريدا في قدراتها كحيوانات مقممة يعتمد نظامها الغذائي على جيف الحيوانات كاملة او متحللة التي تتجاوز اي مقمم بري آخر، ما يساهم في الحفاظ على صحة البراري والارياف، فضلاً عن دورها كحيوان لاحم مقمم في تنظيم أعداد فرائسها المختلفة من بعض صغار الثدييات والزواحف، وبالتالي الإسهام في توازن واستدامة النظم البيئية حيث تنشط وهو ما يفيد المجتمعات المحلية بشكل مباشر" .
ولفت يونس إلى "علاقة التعاون التي تربط الجنوبيون الخضر ومركز التعرف على الحياة البرية منوهاً بجهود المركز والدكتور أبي سعيد" مشيرا إلى "أنها ليست التجربة الاولى فقد سبق ان تعاونا في رعاية وإعادة إطلاق الضبع بيلا في العام ٢٠١٥ بعد أن وقع في شرك وأنقذه الخضر كما هو الحال الآن" داعيا الى "تضافر الجهود لحماية البرية اللبنانية".
وأشاد يونس بتحرك قوى الامن الداخلي السريع، موجهاً التحية إلى قيادة وأفراد قوى الامن الداخلي، الذين أظهروا كما العادة سرعة وحرفية عالية في الإستجابة الى التبليغ، وهو ما سهل إنقاذ الضبع ومعالجته ومنع تفاقم جراحه وأضاف "لقد نجحنا خلال العام من إنقاذ اعدادا من مختلف الأنواع سواء من الطيور، أو غيرها من الحيوانات البرية من ثعالب وبنات آوى، بناء على هذا التعاون الذي يجمعنا مع قوى الامن الداخلي".
وختم بالإشادة بموقف شباب وأهالي دير أنطار الذين ابدوا الحرص على حماية الضبع بل وطالبوا بإعادة إطلاقه في برية البلدة بعد تعافيه .
أبي سعيد
وفي هذا المجال، قال رئيس مركز التعرف على الحياة البرية Animal Encounter الأستاذ في الجامعة اللبنانية كلية العلوم البروفسور منير أبي سعيد في عاليه، والذي تم نقل الضبع إليه لـ "إليسار نيوز": الضبع بحالة صحية جيدة، وهو أنثى يافعة، إلا أنها لا تتصرف كضبع طبيعي، كونها لم تدافع عن نفسها كأي ضبع بري طبيعي، ويبدو أنها متآلفة مع البشر وقضت وقتا طويلا معهم وربما منذ الصغر، وهناك طوق في رأسها عبارة عن جنزير، والدليل أننا لم نضطر لاستخدام مخدر لتهدئتها للتعامل معها ومعاينتها"، وأضاف: "بكل الأحوال، ما زلنا في طور التعرف على هذا الضبع ومراقبته عن كثب تمهيدا لتأهيله، وقد يأخذ معنا هذا الأمر وقتا وقد ننجح في هذا الأمر، وقد لا ننجح".
ولفت أبي سعيد إلى ضرورة "عدم التعرض للحيوانات البرية والإقتراب منها، وعدم محاولة إنقاذها، بل ترك الطبيعة تأخذ مسارها الطبيعي، ومن الممكن أن هذا الضبع قد وجد وهو صغير، وربما نفقت والدته في وقت سابق وتم إيوائه وتربيته، والحقيقة أنه على العكس، لم يتم إنقاذه بل تآلف مع البشر، واعتاد الإقتراب منهم، ومن المتوقع أن يبقى في الأسر طيلة حياته، لأن تأهيله يحتاج للكثير، وكما ذكرت قد لا ننجح بهذا الأمر، أي استعادة سلوكه الطبيعي في البرية، وهذا ما أشدد عليه بعدم تربية وتدجين الحيوانات البرية، وقد لا يؤذي أحدا، ولكن لكل حيوان أطباعا معينة، على سبيل المثال يمكنك أن تمسد على رأس الكلب، ولكن لا يمكنك فعل ذلك مع الذئب، لأن طريقة التعامل معه مختلفة، ويمكنك الإمساك بالفأر من رقبته وهذا الأمر مستحيل في حالة الدب مثلا، فلكل حيوان ثمة طريقة بالتعامل معه يعرفها الأخصائيون في هذا المجال، فالحياة البرية وفقا لاسمها برية أي تعيش على حريتها، وفي البرية وليس بين أو على مقربة من الناس، ولا في الأقفاص، وإن كنا نهتم بهذه الحيوانات البرية علينا تركها لتدبر أمورها بدون أي تدخل من البشر، بل نساعدها بعدم تخريب بيئتها وموائلها وبذات الوقت عدم التعرض لها بإطلاق النار عليها أو قتلها وهي أفضل طريقة للتعامل معها، أي تركها وشأنها، وأشدد على عدم وضع الطعام لها أو الإمساك بها، ووضعها في مناطق معينة ضمن أقفاص أو أماكن مسيجة ومحصورة".
وقال أبي سعيد: "من جهتنا في مركز التعرف على الحيوانات البرية، وهو المركز الوحيد في لبنان لإعادة تأهيل الأنواع البرية، نتعاون مع العديد من الناشطين والجمعيات وخصوصا الجنوبيون الخضر وقد عملنا على عدة حالات معا، وسنحاول في المركز، وبكل الطرق إعادة تأهيلها لإعادتها إلى البرية، وإن لم ننجح، ستبقى هنا، ونعتني فيها، وستكون مثل الحيوانات الأخرى في المركز سفراء لأنواعها ليتعرف عليها البشر، بهدف المحافظة عليها، وأن ينقل هذا الحيوان رسالة للبشر، بأن يتركوا الحياة البرية دون التعرض لها، وبأي طريقة لتتدبر أمورها، وأنها تستطيع الحياة وحدها، وإن نفق أحدها تكون هذه هي طبيعة التوازن البيئي، فليس من المفترض أن تبقى كافة الحيوانات على قيد الحياة، ولا أن تنفق، فالطبيعة تبرمج نفسها وتحافظ على نفسها لتصل إلى التوازن البيئي ودون تدخل بشري، لا سلبي ولا إيجابي".
مصدر الصورة الرئيسية: وايكيبيديا
مصدر الصور المرفقة: الجنوبيون الخضر