مع احترار المحيطات...هل هناك أمل للشعاب المرجانية بالهجرة المناخية؟

مشاركة


البيئة تنوّع بيولوجي

 

 

رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو

بسبب ارتفاع درجات الحرارة، تواجه الشعاب المرجانية المدارية مستقبلاً قاتماً، لكن ثمة أبحاثا حديثة أظهرت أن بعض هذه الشعاب المرجانية تهاجر (مناخيا) إلى البحار شبه الاستوائية الأكثر برودة، ما يوفر قدراً من الأمل لهذه النظم الإيكولوجية بإمكانية التغلب على التهديد الوجودي لتغير المناخ.

الدراسة

وكتب الباحثون من جامعة في ملخص دراسة بعنوان "الجغرافيا الحيوية العالمية لاستيطان الشعاب المرجانية: انخفاض الأعداد في خط الاستواء وزيادة في المناطق شبه الاستوائية" Global biogeography of coral recruitment: tropical decline and subtropical increase ونشرت في مجلة Inter-Research Science Publisher العلمية: "على الرغم من الإنخفاض على نطاق واسع للغطاء المرجاني بسبب تغير المناخ لا سيما الشعاب المرجانية الاستوائية، تم إيلاء القليل من الاهتمام لاحتمالية تأثير هذه التغيرات في التوزيع الجغرافي لهذه الشعاب، وهو بردود فعل مفيدة من خلال الإنتقال بين مجموعة من خطوط العرض".

ولدراسة هذا الاحتمال، قام الباحثون بتجميع قاعدة بيانات عالمية للكثافات الطبيعية لشعاب مرجانية على بلاطات الاستيطان (وضعت خصيصا لدراسة استيطان المرجان عليها) التي تم توزيعها في الفترة من 1974 إلى 2012، وتم استخدام البيانات الموجودة لاختبار تحولات توزيع نطاقات المرجان بين خطوط العرض المختلفة.

هجرة مناخية

       من شواطئ ولاية فلوريدا إلى جزر اليابان، من جزيرة مرجانية في منتصف الطريق إلى جنوب أستراليا، قد يكون التجدد البيئي غير المعلن جاريا لهذه الشعاب المرجانية، والتي أصبحت أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى في المياه الدافئة بشدة من المناطق المدارية، وتبذل هذه الشعاب محاولة للبقاء على قيد الحياة عن طريق الهجرة إلى المناخات شبه الاستوائية التي تلبي متطلبات درجة حرارتها.

       فقد بدت الشعاب المرجانية في المناطق الاستوائية وكأنه تم القضاء عليها، فليس لديها مكان للهرب مع دفء المحيطات وبسبب التبييض نتيجة موجات الحر البحرية ومعاناتها الجماعية وتمسكها بقاع البحر، يقول بعض الخبراء إنها ستختفي بحلول منتصف القرن، وهي أول ضحية بيئية كبيرة لحالة الطوارئ المناخية.

"لكن الأخبار ليست قاتمة تماما، فقد اتضح أن الشعاب المرجانية الصغيرة يمكن أن تكون قادرة على الحركة بشكل مدهش، ومع التيارات البحرية، إن أصبحت مواطنها غير مضيافة، وتنتقل بالتالي إلى مياه أكثر برودة"،  تقول نيكول برايس Nichole Price من "مختبر بيغيلو لعلوم المحيطات" Bigelow Laboratory for Ocean Sciences في ولاية ماين، وهي المؤلف الرئيسي للدراسة العالمية الأولى لاستعادة شعاب المرجان عافيتها: "أعتقد أن هناك بصيصًا من الأمل بالنسبة لها".

يقوم علماء البيئة البحرية بالإبلاغ عن هجرة المرجان الاستوائي إلى المناطق شبه الاستوائية ، وهو جزء من "الظاهرة الاستوائية" الأوسع نطاقًا للأنظمة الإيكولوجية للمحيطات، حيث تبحث الأنواع عن مياه أكثر برودة بعيدا عن خط الاستواء، وفي الوقت الذي تكافح فيه للبقاء على قيد الحياة في موطنها السابق، فإنها تنتشر بين 20 و 35 درجة شمال وجنوب خط الاستواء، مع استيطان شعاب مرجانية لاجئة جديدة من الشعاب اليافعة على بعد مئات الأميال من موطنها الأصلي.

إعادة رسم خارطة المرجان العالمية

مع انتقال الشعاب المرجانية ، يتم إعادة رسم خارطة توزع الشعاب المرجانية المدارية حول العالم.

وحذرت برايس من أن "فقدان العديد من الشعاب المرجانية بالقرب من خط الاستواء لا يتم تعويضها من الهجرة إلى المناطق شبه الاستوائية"، فالنسبة المئوية للزيادة في إنشاء الشعاب المرجانية الجديدة في المناطق شبه الاستوائية، مع أنها مشجعة، هي من مستوى منخفض، وأضافت: "بشكل عام ، كان هناك انخفاض عالمي في الإستيطان بنسبة 82 بالمئة على مدى العقود الأربعة الماضية، ولكن، على الرغم من ذلك ، قد لا يكون يلوح القضاء على الشعاب في الأفق أو أنه مصيرها المحتوم".

في جنوب اليابان، على سبيل المثال، عند 33 درجة شمالًا، يشغل أكثر من 70 نوعًا من المرجان معظم خليج Tatsukushi، وفي الولايات المتحدة، وصلت الشعاب المرجانية والكورنيون حول شبه جزيرة فلوريدا إلى خليج المكسيك، وفي أستراليا، يبدو أن المرجان يهاجر جنوبًا من الحاجز المرجاني العظيم إلى ساحل نيو ساوث ويلز حول سيدني، على خط عرض 30 درجة جنوبًا.

وقد استمر هذا الوضع لفترة، لكن حتى الآن لم يقم أي شخص بتجميع الصورة كاملة، وقد وجدت دراسة برايس التي شملت ست دول، والتي نُشرت الشهر الماضي، أنه مع تحرك الشعاب المرجانية ، يتم إعادة رسم خارطة جديدة لانتشار المرجان الاستوائي العالمي وبناء شعاب مرجانية جديدة.

وتوصلت دراستها إلى نتيجتين اثنين رئيسيتين، أولهما الأخبار السيئة: انخفض استيطان الشعاب المرجانية الجديدة في المناطق الاستوائية بنسبة مذهلة بلغت 85 بالمئة منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى الشعاب المرجانية التي تبدو سليمة فهي ببساطة لا تتكاثر، لكن الخبر السار هو أن هناك زيادة بنسبة 78 بالمئة في استيطان شعاب جديدة في المواقع التي تتم دراستها خارج المناطق المدارية. أي "أن استيطان الشعاب يتجه نحو القطب" استنتجت برايس.

الشعاب المرجانية

تعد الشعاب المرجانية الاستوائية من أكثر النظم البيئية تعقيدًا في الطبيعة، فهي مغمورة بالمياه، إنما على بعد أمتار قليلة من سطح البحر، وهي غارقة بأشعة الشمس، وتستضيف معظم الشعاب المرجانية مجموعة رائعة من المخلوقات: الديدان، والقواقع، وسرطان البحر والأنقليس ، وخيار البحر، وأسماك القرش، كلها حيوانات مُستَهْلِكة (تتغذى على غيرها) ومُسْتَهْلَكة (يتم التغذي عليها).

وتنمو الشعاب المرجانية إما على منصات من الصخور تمتد من السواحل، أو أعلى الجبال المغمورة في قاع البحر، وعلى سبيل المثال، يبلغ طول الحاجز المرجاني العظيم  قبالة أستراليا أكثر من 1400 ميل ، واستغرق ما يقرب من 500 ألف عام للوصول إلى هذا الحجم، تمتد الجزيرة المرجانية  Enewetak Atoll في جزر مارشال أكثر من نصف ميل وهي نتاج لنحو 60 مليون عام من النمو.

والكائنات الحية الدقيقة التي تصنع هذه الشعاب المرجانية هي كائنات لينة soft-fleshed creatures، مرتبطة تطوريا بشقائق النعمان البحرية، لكنها تنتج هياكل خارجية صلبة تتراكم بالمليارات وتندمج على قاع البحر الصخري، ما يخلق الشعاب المرجانية، يتم توفير ألوانها الشهير بواسطة الطحالب المجهرية التي تعيش داخل الشعاب المرجانية الشفافة في علاقة تكافلية، في مقابل المأوى، وتزود الطحالب الشعاب المرجانية بمصدر التغذية الرئيسي.

وتشغل الشعاب المرجانية حوالي 1 بالمئة فقط من محيطات العالم - من منطقة البحر الكاريبي إلى "المثلث المرجاني" المتمركز حول إندونيسيا في جنوب شرق آسيا - لكنها موطن لحوالي ربع جميع الأنواع البحرية، لقد نجت هذه الشعاب من الصيد المدمر والتلوث والتعدين للحصول على مواد البناء ومراس السفن البحرية وحتى تجارب القنابل النوويةن لكن تغير المناخ أثبت أنه عدوها الأول.

تبيض المرجان

إذا ارتفعت درجات حرارة الماء إلى أقل من درجتين فهرنهايت عن المعدل الطبيعي لفترات تزيد عن بضعة أسابيع، فإن المرجان المجهد يطرد الطحالب التي تغذيه، وتتحول الشعاب المرجانية المتعددة الألوان إلى أشباح من اللون الأبيض، هذا "التبييض" تم رصده في العديد من الشعاب المرجانية وقد وصل إلى أبعاد وبائية وهو من بين أكثر العلامات الواضحة للتدهور البيئي الناجم عن تغير المناخ العالمي.

ليس من الضروري أن يكون "التبييض" قاتلاً، ولكن إذا كانت حرارة المياه لا تبرد بما يكفي للسماح للطحالب التكافلية بالعودة في غضون بضعة أسابيع، فإن الشعاب المرجانية تتضور جوعا حتى الموت، وتقول تريسي أينسورث Tracy Ainsworth من جامعة نيو ساوث ويلز إن الموت قد يأتي بسرعة أكبر إذا كانت درجات الحرارة مرتفعة بما فيه الكفاية، كما حدث في الحاجز المرجاني العظيم في عام 2016.

ووفقا للعلماء فإنه من الممكن أن تختفي الشعاب المرجانية الاستوائية في منتصف القرن، لكن الأبحاث المنشورة في الأسابيع الأخيرة تشير إلى أن كل شيء قد لا يضيع، وقد أظهر كريستيان فولسترا Christian Voolstra، عالم الوراثة في جامعة كونستانز the University of Konstanz، بألمانيا، في دراسة نشرت مؤخرا في مجلة Nature العلمية، أن بعض الشعاب المرجانية يمكن أن تتكيف مع البيئات المتغيرة بطرد الكثير من الطحالب التكافلية، واعتماد مجموعة جديدة تتناسب بشكل أفضل مع الظروف الجديدة، كما أن نتائج دراسة برايس توحي بأن الهجرة الجماعية التي قام بها بعض من الشعاب المرجانية المدارية قد تمهد طريقا جديدا للبقاء على قيد الحياة.

 

عن Yale Environment 360،Inter-Research Science Publisher بتصرف

 

 

 

 







مقالات ذات صلة