الهيدروجين .. العضو الجديد بالطاقة المتجددة
*م. حيدر حرز يوسف
قامت جنرال موتورز ببناء أول سيارة تعمل بالطاقة الهيدروجينية في عام 1966، لكن بدلاً من إحداث ثورة في صناعة السيارات ، انتهى المطاف بـ "جنرال موتورز إليكتروفان" وهذا هو اسمها، بأن بقيت في المتحف.
وبعد نصف قرن ما زلنا ننتظر أن يفي الهيدروجين بوعده كتقنية طاقة نظيفة، إن نكتة الصناعة الخجولة القديمة الجديدة هي أن الهيدروجين هو وقود المستقبل - وسيظل كذلك دائمًا، لكن هذا قد يكون خطأ، إن التحديات الضخمة المتمثلة في تغير المناخ، وكذلك صعود نجم الرياح والطاقة الشمسية، تعطي الهيدروجين زخماً جديداً، فتجذب اهتماماً من الحكومات والشركات إلى ما هو أبعد من صناعة السيارات فقط.
ويعتبر معظم الهيدروجين المنتج الآن غير نظيف، لكن التكنولوجيا اللازمة لتغيير هذه الحالة موجودة بالفعل، ولفهم كيف يمكن أن ينتقل الهيدروجين من مجرد آمال إلى واقع، فمن المهم توضيح وفهم الموقف الذي يواجهه نظام الطاقة العالمي الحديث وما هي الخطط الموجودة حاليا.
الواقع والامل
في الوقت الحالي، وفي الواقع، يتحرك العالم بعيدًا عن أهداف اتفاقية باريس المتعلقة بتغير المناخ، والتي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون بسرعة، بالرغم من توقيع معظم الدول عليها، وبهدف عكس هذا الاتجاه، سيتعين على مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية أن تشكل حصة أكبر بكثير من العرض الموجود عالميا وبسرعة، لكن هذه المصادر للطاقة المتجددة تواجه صعوبات عدة، أبسطها أن كمية الكهرباء التي تنتج من المصادر المتجددة الحالية يمكن أن تختلف حسب الطقس أو الوقت من اليوم أو السنة، لذلك قد لا تتدفق عندما يحتاج الناس إليها فعلا.
أما الهيدروجين فهو أحد الطرق القليلة لتخزين تلك الطاقة المتغيرة، كذلك تشمل الخيارات الأخرى بطاريات الليثيوم أيون - التي تعمل بالطاقة للهواتف الذكية والسيارات الكهربائية - لكنها لا تستطيع منافسة الهيدروجين من حيث الحجم، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تمتلك منشأة تخزين هيدروجين كبيرة في تكساس ما يقرب من 1000 ضعف ما تملكه أكبر مجموعة بطاريات ليثيوم أيون في العالم في جنوب أستراليا.
امكانيات هائلة
ويمكن للهيدروجين النظيف أن يكون أكثر من مجرد وقود للسيارات، فقد يمكن استخدامه لتشغيل الشاحنات والسفن، كما يمكن أن يكون المادة الخام الأساسية للمصافي والمصانع الكيماوية ومصانع الصلب .
لحسن الحظ، تميل هذه القطاعات إلى التجمع في الموانئ الصناعية الرئيسية، ما يوفر فرصًا كبيرة لبناء بنية تحتية مشتركة، ويتم إنتاج الهيدروجين بالفعل في الموانئ لتزويد المصانع الكيميائية والمصافي المحلية لذلك، وفي هذا المجال، يقدم الهيدروجين وعودًا مثيرة للصناعة الأنظف والطاقة الخالية من الانبعاثات بتحويلها إلى طاقة لا ينتج منها سوى الماء، وليس غازات الدفيئة، كما وأنه أيضًا العنصر الأكثر وفرة في الكون.
ومن الجدير بالذكر،أن الطريقة الأكثر شيوعًا لإنتاج الهيدروجين هي الوقود الأحفوري، وستكون الكمية المتولدة من الفحم والغاز الطبيعي هذا العام للاستخدامات الصناعية كافية نظريًا، لتشغيل ما يقرب من نصف السيارات على الطريق في كافة أنحاء العالم، لكن إنتاج الهيدروجين بهذه الطريقة يؤدي إلى انبعاثات تعادل كمية انبعاثات الكربون التي تجمعها اقتصادات المملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعة، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الدولية .
وقود نظيف... وصديق للبيئة
يمثل تنظيف الصناعات عن طريق التقاط وتخزين انبعاثات الكربون الخاصة بها، أو تزويدها بالهيدروجين من المصادر المتجددة تحديا كبيرا، لكنه أيضا فرصة للبدء في بناء صناعة الهيدروجين النظيفة العالمية في المستقبل، وهنالك صعوبة كبيرة أخرى هي التكلفة حيث أن الهيدروجين من الكهرباء المتجددة النظيفة أغلى مرتين أو ثلاث مرات من انتاجه من الغاز الطبيعي، لكن تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تراجعت في السنوات الأخيرة، وإذا استمر انخفاضها، فسيصبح الهيدروجين النظيف أغلى سعرا، ومع ذلك، يجب تطوير التكنولوجيا التي تحول الماء إلى هيدروجين (بدون إنتاج انبعاثات الكربون) على نطاق أوسع بكثير لخفض التكاليف.
وفي المستقبل، ستقرر الحكومات ما إذا كان الهيدروجين ينجح أم لا، ووفقًا لتحليل الوكالة الدولية للطاقة لا تزال معظم المشاريع الحالية، والتي يزيد عددها عن 200 مشروعا، تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التمويل الحكومي المباشر، ولكن يجب أن تشجع السياسات الذكية القطاع الخاص على تأمين إمدادات طويلة الأجل من الهيدروجين النظيف، ومنح المستثمرين الحوافز لدعم أفضل الأعمال.
كما نحتاج إلى بدء تجارة الهيدروجين الدولية، حيث هناك علامات مشجعة، فاليابان لديها العديد من المشاريع الرائدة المهمة لاكتشاف أفضل طريقة لشحن الهيدروجين على مسافات طويلة وفي الوقت نفسه، دعم الاتحاد الأوروبي مبادرة لجعل الهيدروجين جزءًا مهمًا من جهود أوروبا لإزالة الكربون عن اقتصاداتها، كما ستساعد وكالة الطاقة الدولية الحكومات في صياغة السياسات الصحيحة، بناءً على طلب من الرئاسة اليابانية لمجموعة العشرين مؤخرا .
*إستشاري في مجال الطاقة المتجددة