كيف يؤثر الاحتباس الحراري على الإنترنت؟!
"إليسار نيوز" Elissar News
في كتاب نيكول ستاروسيلسكي "شبكة البحر"، يذكر الكاتب سؤال صديقه عن الأسباب التي دفعته إلى إنجاز كتابه، كان رده على صديقه بصيغة سؤال: "عندما تشغل حاسوبك، وترسل بريدًا إلكترونيًا إلى أحدهم، هل أنت مهتم جداً بمعرفة كيف انتقل "الإيميل" إلى الجهة المرسل إليها؟ طبعاً لن تهتم بذلك. أنت تريد أن يصل بريدك بسرعة، وقد تطرق حواف أصابعك على الطاولة في حال طالت مدة إرساله".
لا يهتم ملايين المستخدمين، بالأسباب المناخية التي أدت إلى انقطاع الإنترنت بقدر ما يهتمون بعودته للعمل فقط. مطلع شهر كانون الثاني الماضي، كاد عشرات الملايين من مستخدمي الإنترنت أن يفقدوا صوابهم، عندما تعطل كابل الإنترنت "تونغا". لم يتمكن المستخدمون من تحريك أموالهم بين البنوك، أو مراسلة أصدقائهم عبر التطبيقات. وفي مطلع شهر آذار حصل عطل مشابه، اذ توقف "فيسبوك" و"انستغرام" و"واتس اب" عن العمل، ورجحت تحليلات حصول عطل تقني في أحد المحطات الرئيسية لتنظيم حركة الإنترنت.
ثلاثمئة، هو عدد كابلات الألياف الضوئية الكبرى التي توفر الإنترنت لأكثر من 5 مليار إنسان. هذه الكابلات تربط الدول رقمياً بعضها بعضًا، وتمر عبر المحيطات. سبعون بالمئة من تمديدات الكابلات موجود في المياه وتعرف بالكابلات البحرية، أما الثلاثون بالمئة المتبقية فهي كابلات برية مرتبطة بها وتتواجد على اليابسة، ويطلق عليها اسم "محطات هبوط" للكابل وتنتشر مراكزها على الشواطئ.تعد كابلات الألياف الضوئية العابرة في المحيطات من أحدث تقنيات الاتصالات العالمية. فهي تعمل على الضوء لتشفير المعلومات، وتنقل البيانات بشكل أسرع وأرخص بكثير من الأقمار الصناعية. يوفر المحيط الهادئ فسحة مائية تمتد فيها كابلات تربط رقمياً كلًا من أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية وقارة آسيا، كذلك تربط الكابلات العابرة في قاع المحيط الأطلسي، أوروبا وأفريقيا بأميركا.
صنع الاتصال الخلوي "wireless” والأقمار الاصطناعية وظهور مصطلح (غيمة التخزين) "Cloud"، انطباعًا مفاده أن البيانات الرقمية والاتصالات تطير في "السحاب" أو تنتقل عبر الأقمار الاصطناعية، لكن حقيقة الأمر أن "السحابة" تسبح داخل كابلات الألياف الضوئية منتشرة في أعماق محيطات أخذت في السنوات العشر الاخيرة في التحول إلى محيطات دافئة بفعل التلوث البيئي، ما رفع منسوب مياهها بشكل كبير وسريع نتيجة الاحتباس الحراري.
في تقرير حديث، توقعت الادارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي أن ترتفع المحيطات بقدر قدم واحد بحلول عام 2030 وخمسة اقدام بحلول عام 2100. هذه الأرقام معطوفة على حوادث انهيارات متكررة في كتل جليدية رئيسية في غرينلاند والقطب الجنوبي، جعل من 2018 عاماً مفصلياً في حياة شبكات الإنترنت العابرة للمحيطات، ففي هذا العام انفصلت قطعة جليدية ضخمة عن أحد جبال "غرينلاند"، ليتحول بعد ذلك، مصير "محطات هبوط" الكابلات البرية في المحيط الاطلسي إلى مصدر قلق تابعه الإعلام، لما شكله الحدث، واحتمال ارتفاع منسوب المياه، من خطر على سلامة "محطات الهبوط" المنتشرة على سواحل المحيط وامكانية غرقها بفعل اجتياح المياه التدريجي لليابسة.
بنى تحتية مهترئة
يؤكد نيكول ستاروسيلسكي في مقالٍ نشر مؤخراً أن البنى التحتية لشبكات الإنترنت البرية والبحرية تحتاج إلى اصلاح سريع. ذلك أن أكثر من ثمانين بالمئة منها شيّد أواخر القرن الماضي، ولا تتناسب مواصفاتها مع تهديدات الطبيعة المستقبلية. ويشدد ستاروسيلسكي على أن الدول التي ستتعرض سواحلها للغرق تحت المياه، أمامها 15 عامًا كمدة قصوى لإعادة تكييف بناها التحتية بما يتلاءم والتحديات المناخية. أما بول بارفورد وهو استاذ جامعي وخبير في مجال انتقال البيانات عبر كابلات الألياف البصرية، فيرى أن مهندسي البنى التحتية المتوفرة حالياً، وضعوا خططًا لحماية الكابلات الممتدة في قعر المحيط ولكنهم لم يلحظوا أزمة الاحتباس الحراري التي تهدد محطات الهبوط البرية.
يتيح موقع "submarine cable map" إلقاء نظرة على أماكن "محطات الهبوط". ويوفر في خانة منفصلة البيانات التفصيلية لشبكة الإنترنت العالمية، فيحتل المحيط الاطلسي المرتبة الأولى كنطاق مائي ينتشر فيه أكثر من 130 كابل، ليأتي بعده المحيط الهادئ ومن ثم المحيط الهندي الذي يربط دول شرق أفريقيا بغرب آسيا. وفي المقلب الآخر يوفر موقع "Flood map" خريطة مستقبلية لنقاط ساحلية عالمية ستغرق، وفي حال مطابقة الخريطتين مع بعضهما يمكن اكتشاف "محطات الهبوط" التي تواجه خطر الغرق.
لقد صممت كابلات الألياف الضوئية على نوعين، الأولى كابلات بحرية، مدفونة أسفل المحيطات، ومصنوعة من مواد عازلة كلياً للمياه "water proof"، ومحمية بغطاء بلاستيكي خارجي بالإضافة الى غطاء معدني داخلي يمنعان تسرب المياه الى الألياف الضوئية، ويتم ربطها بكابلات أرضية في "محطات الهبوط" على الشواطئ، بينما صممت الكابلات الارضية بغطاء خفيف "مقاوم للمياه" إلا أن أغطيتها لا تعمل كواقٍ كلي.
عام 2018 نشرت الجامعتان ويسكنكن وأريغون ورقة بحثية مشتركة، قالت أن 1100 محطة هبوط شاطئية من حول العالم، سيغمرها المياه بحلول عام 2033. يهدد ارتفاع منسوب المياه، مدن الدلتا العالمية. كـمدينة "داغا" الهندية، ومدن غوانزو وهوشي وهونغ كونغ في الصين، ومدينة مانيلا في الفلبين، والسواحل المنخفضة في الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا مدن نيويورك في ولاية نيويورك ومعظم محطات الهبوط على شاطئ ولاية نيوجرسي، وميامي في ولاية فلوريدا على المحيط الأطلسي، ومدينة نيو اورلينز في ولاية لويزيانا على خليج المكسيك، ومدينة ملبورن في استراليا، ومدينة روتردام في هولندا، ومدينة طوكيو في اليابان وعدد من المدن الايطالية والفرنسية.
ففي مناطق الدلتا تنتشر "محطات الهبوط" ويشير مختصون إلى أن اصلاح البنى التحتية في هذه المناطق سيكلف تريليونات الدولارات، وبحسب تحقيق لمجلة "ناشونال جيوغرافيك" يوجد 4 آلاف ميل من الكابلات معرضة لخطر الغرق في الولايات المتحدة وحدها، وتعتبر محطات نيويورك ونيوجرسي الأكثر قابلية لتلقي أضرار الاحتباس الحراري. كل هذه المعطيات لا تعني أن الإنترنت سيتوقف. إذ أن بعض الشركات باشرت بوضع خطط لنقل الكابلات إلى أماكن أكثر أمناً، وهو ما سيغير الخريطة التي تتحرك فيها البيانات وسيؤدي إلى ضعف شبكات الإنترنت في المرحلة الانتقالية على الأقل.
المصدر: الجزيرة
حلا نصرالله
صحافية تتابع قضايا التكنولوجيا