اكتشاف بكتيريا تستوطن أدمغة البشر... فما علاقتها بالأمراض العصبية؟
رصد وترجمة: سوزان أبو سعيد ضو
تناولت دراسات عدة التنوع والتوازن بين أنواع الميكروبات المتواجدة في القناة الهضمية وتأثيراتها على صحتنا، خصوصا الصحة الدماغية والأمراض التي يصاب بها البشر، لكن هل يمكن لبعض هذه البكتيريا نفسها أن تصنع موطنًا لها في أدمغتنا؟
وقد استأثرت لافتة هذا الأسبوع في الاجتماع السنوي لجمعية علم الأعصاب الإهتمام وهي عبارة عن صور مجهرية عالية الدقة لبكتيريا يبدو أنها تعيش في خلايا أدمغة بشرية سليمة، وأكد مؤلفو المقال أن هذا العمل أولي ، وحذروا من ملاحظة أن عينات الأنسجة التي تم جمعها من الجثث يمكن أن تكون ملوثة، لكن بالنسبة للعديد من المشاركين في قاعة المعرض والذين لفتت انتباههم الصور، فإن احتمال أن البكتيريا يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على العمليات في الدماغ - بما في ذلك ، ربما، مسار الأمراض العصبية – كان مثيرا للدهشة.
وفي هذا السياق يعتقد الباحثون أن هذه البكتيريا تنتقل إلى الدماغ من القناة الهضمية عبر مجرى الدم، وعثر عليها عن طريق الصدفة بعد تحليل أدمغة أشخاص متوفين.
واعتبر الأخصائي في علم الأعصاب Ronald McGregor من جامعة كاليفورنيا والذي لم يشارك في البحث، إن "هذا الإكتشاف هو حدث الأسبوع"، وأضاف: "إنه مثل مصنع جزيئي جديد بالكامل في الدماغ لاحتياجاته الخاصة. ... هذا أمر مثير للغاية".
واكتشف هذا الأمر بالصدفة في جامعة ألاباما في بيرمنغهام UAB من قبل الباحثة في التشريح العصبي روزاليندا روبرتس Rosalinda Roberts أثناء مقارنتها بين أدمغة الأصحاء عقليًا وأدمغة المصابين بالفصام schizophrenia.
ويحمي الدماغ البشري غشاء من البكتيريا والفيروسات، ويمكن أن يتسبب عبور أي شيء هذا الغشاء بأمراض خطيرة، وبالمقابل وصفت كلية الطب بجامعة هارفارد الجهاز الهضمي في بحث نشرته في حزيران/ يونيو الماضي، بأنه دماغ ثان بسبب تأثيره على المزاج.
وقد تكون هذه البكتيريا التي تؤثر على الأمعاء، هي نفسها التي تؤثر على الدماغ، إن كان البحث دقيقا، حيث أوضح فريق العلماء الذي تشرف عليه الدكتورة روزاليندا روبرتس، أن بحثهم لم يراجع بعد من قبل باحثين آخرين، وأشاروا إلى أن البكتيريا قد تكون لوثت الأدمغة الـ 34 التي تم فحصها وتشريحها بعد الوفاة، ومع ذلك فإن طريقة تواجد هذه البكتيريا في كل الأدمغة، تشير إلى أنها لم تكن محض مصادفة.
وقالت روبرتس أنها عثرت على هذه الكائنات الحية الدقيقة خلال تحليلها العينات، وتجاهلتها بداية لأن مجال بحثها كان مختلفا، ولكن تكرار مشاهداتها، دفعها لعرضها على عالم في مجال الأحياء الدقيقة "ميكروبيولوجيا" لتكتشف أنها بكتيريا بالفعل.
وتابعت روبرتس اختباراتها على الفئران، لتتحقق من إمكانية وجود هذه البكتيريا في الدماغ، ولحظت أن القوارض المهندسة بحيث أمعاؤها تخلو من هذه الأحياء الدقيقة، كانت أدمغتها خالية منها أيضا، ما دفعها لاستكمال أبحاثها واستنتاجها وزملائها بأن بكتيريا الأمعاء قد تكون انتقلت للدماغ عبر مجرى الدم.
وقد وجدت روبرتس أن هذه البكتيريا تفضل أن تعيش وتتجمع في خلايا تسمى "الخلايا النجمية" Astrocytes، وهي خلايا تتفاعل وتغذي الخلايا العصبية، وخصوصا تلك قرب الحاجز بين الأوعية الدموية والدماغ وقرب نهايات الأعصاب المغلفة بالأحماض الدهنية التي تسمى مايلين Myelin وعللت وجودها بأنها تتغذى على الدهون والسكريات المتواجدة بكثرة في هذه الأماكن.
أما عن سبب عدم مشاهدة الباحثين مزيدا من البكتيريا في الدماغ، فقالت روبرتس "قد يكون أحد الأسباب هو أن قلة من الباحثين يخضعون أدمغة ما بعد الموت للبحث باستخدام المجهر الإلكتروني"، وأضافت "إن اجتماع أخصائي في علم الأعصاب مع التشريح العصبي لا يحدث في كثير من الأحيان، كما وقد يتجاهل علماء الأعصاب، كما فعلت حتى وقت قريب، أو لا يعترفون ببكتيريا في عيناتهم".
وتعترف روبرتس أن فريقها لا يزال بحاجة إلى استبعاد التلوث بالبكتيريا، على سبيل المثال، هل يمكن للميكروبات من الهواء أو من الأدوات الجراحية أن تدخل في النسيج أثناء استخلاص الدماغ؟ انها تخطط للبحث عن مثل هذه الأدلة، وبين زوار اللافتة، "كان هناك بعض المشككين وأنا أيضاً"، لكنها أشارت إلى أنه "حتى لو لم تكن البكتيريا في الواقع مزدهرة في أدمغة حية، فإن أنماط وجودها بعد الوفاة مثيرة للاهتمام".
وفي هذا المجال فإن الدراسة ما زالت بحاجة للكثير من البحث والتدقيق، إلا أن إثباتها قد يفسر الكثير من الدراسات السابقة، التي عثر أصحابها على بكتيريا في أدمغة المصابين بمرض "ألزهايمر".
المصادر: Science، The daily Mail