الوطواط كائن هام في المنظومة البيئية... مهدد في لبنان وتدمير مستوطنتين شمالا وجبلا!

مشاركة


خاص اليسار

"إليسار نيوز" Elissar News

ما يزال "مركز الحياة البرية والمحافظة عليها" Animal Encounter في مدينة عاليه ينبه إلى ما يواجه الحياة البرية في لبنان من أخطار تهدد التنوع الحيوي، وقد شكل على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما منارة علمية رسخت مفاهيم الاستدامة، وإن لم نرق إلى مجاراة دول العالم في مواجهة التحديات بيئية لجهة الحفاظ الأنواع وحماية النظم الايكولوجية من الاندثار، لاعتبارات وأسباب يظل أهمها عدم قدرة الدولة على تفعيل القوانين، ولا سيما منها قانون الصيد البري.

وما شكل صدمة في الفترة القريبة الماضية، استهدف مستوطنات الخفافيش (الوطاويط) في محافظتي جبل لبنان والشمال، تمثلت بإطلاق النار عليها ثم حرقها بمادة المازوت "الديزل"، ما أدى إلى القضاء على كائن هام في المنظومة البيئية.

أبي سعيد

       رئيس "مركز التعرف على الحياة البرية" في مدينة عاليه، الأستاذ المحاضر في الجامعة اللبنانية كلية العلوم - الفرع الثاني البروفسور منير أبي سعيد، قال: "هناك كوارث تحل بالخفافيش في لبنان، ولا يهتم أي شخص بما يحدث لها على الرغم من أنها من الحيوانات التي يهتم كل العالم بالمحافظة عليها، وأنا عضو في الهيئة الإستشارية لـ Eurobats، وهي منظمة منضوية في  الأمم المتحدة، حيث هناك حماية لهذه الحيوانات في كافة أنحاء أوروبا لأهميتها في المنظومة البيئية، وكنا نتابع مستعمرات عدة لهذه الخفافيش، لنفاجأ بمستعمرتين منها وقد أبيدتا بالكامل، أولها في جبل لبنان يبلغ تعدادها حوالي 500 قتل منها حوالي مئة من خفاش الفاكهة المصري، والثانية شمالا ويبلغ تعدادها حوالي 150 خفاش من نوع خفاش فأري الأذن الكبيرة وهي من أكبر المستعمرات في الشرق الأوسط وقد قضي عليها بالكامل، وإن استمر الوضع على هذا الحال، فمن الممكن أن تنقرض، وأقول للجميع لن نعرف قيمة هذه الحيوانات إلا حين نخسرها".

ورأى أنه "من الممكن أن تنقرض هذه الكائنات الهامة لأي نظام بيئي متكامل"، وقال: "الوطواط إجمالا عمره طويل، ولكن يواجه تهديدات عدة أولها الخرافات والشائعات والموروثات الشعبية".

جبل لبنان

وقال أبي سعيد: "في جبل لبنان اعتبرنا المستعمرة الموجودة محمية بتضاريس طبيعية من الصعب الوصول اليها، وهي منطقة جبلية صخرية وعرة، ولكن استعمل المعتدون سلما، واستخدموا الإطارات ومواد نفطية لإشعال النار فيها وقضوا على خفافيش كثيرة من أصل 500 من نوع خفاش الفاكهة".

وأشار أبي سعيد إلى أن "هذه المجموعة استوطنت هذه المغارة منذ عشرات أو مئات السنين والدليل أن روثها ويسمى Guano وصل إلى علو متر ونصف المتر، وإن سألتني عن السبب في قتلها، فلا أعرف، ولا أعرف من يستطيع أن يساعد، وعلى الوزارات المعنية المساعدة والتدخل خصوصا وزارة البيئة".

وقال: "علينا الإضاءة على أهمية هذا الحيوان، فهو يأكل أعدادا كبيرة من الحشرات، حتى الذي يأكل الفواكه ويشتكي منه المزارعون، فالعصفور مثلا يأكل الفواكه أيضا وعلى نفس الشجرة، أما الخفاش فيقطفها ويأكلها في أماكن بعيدة عن الشجرة الأم، وبذلك يساهم في توزيع البذور، وأحيانا على بعد يصل إلى ثلاثين كيلومترا في البرية، ولذا نجد أشجارا مثمرة بالغابات أو في مناطق بعيدة، والخفاش آكل الحشرات يساهم بتوفير كميات المبيدات الحشرية المستعملة، فكم نوفر من سموم على البيئة وعلى صحة الإنسان، فعدا عن تراكم النفايات التي تسمم لبنان وسكانه، يقتلون الخفاش وبذلك تتكاثر الحشرات من بعوض وغيرها، والتي تهاجم المزروعات وبأعداد غير مسبوقة".

السيطرة على أعداد الحشرات

ولفت أبي سعيد إلى أنه "لدينا في لبنان 21 نوعا من الخفافيش المكتشفة حتى الآن، ويتميز لبنان بكثرة المغاور والكهوف الكلسية (الكارستية) التي تعشش فيها هذه الحيوانات، والخفاش حيوان يعيش لفترة طويلة، وينام في الشتاء فيما يعرف بالسبات الشتوي، لأنه لا توجد حشرات أو فواكه ليأكلها، ويبقى دون سبات طالما هناك حشرات، فهو يحضر نفسه قبل موسم الشتاء بالطعام، ويعرف فترة الشتاء وكم ستطول، فهذا الكائن يبتعد عن الإنسان قدر الإمكان ويعيش في مناطق لا يحتاجها الإنسان، بين الصخور والمغاور والتضاريس الوعرة، فدخولنا إلى المغاور بحجة ما يسمى بالسياحة البيئية خصوصا خلال الشتاء للمغاور والكهوف، ولا ننسى الضرر الكبير الذي تلحقه الكسارات، خصوصا أثناء الشتاء فقد تنفق هذه الحيوانات قبل انتهاء الشتاء".

ومن ناحية ثانية، لفت أبي سعيد إلى أن "الناس يعتقدون أن الخفاش ولّاد مثل الفأر، الخفاش ليس فأرا، وينجب واحدا بالسنة، وما معناه أن هذه المستعمرة (العائلة) التي قضي عليها شمالا، من نوع Myotis Myotis، كم سنة تحتاج لتستعيد أعدادها، فلو أن 10 منها أنجبت كل عام، تحتاج ما بين 20 و30 سنة لتعود كما كانت، ومن المستحيل أن تعود لأنهم قضوا عليها بصورة نهائية".

وتابع: "الخفاش في لبنان ليس له أي آثار سلبية على الإنسان، إلا أن خفاش الفاكهة قد يوسخ الجدران والسيارات، ولكن بالمقابل ففوائده لا تحصى، فهو يزرع الأشجار ويساهم بالتحريج، أما الخفاش آكل الحشرات، فالصغير منها من نوع Pipistrellus يأكل 800 حشرة في الساعة، ومن هنا يساهم بالتوازن البيئي، والأهم أن هذا الخفاش يأكل الحشرات وكلما طال موسمها يظل يطير ويتغذى عليها، فالله سبحانه وتعالى لم يخلق هذا التنوع عبثا، بل لهدف كبير، فقد خلق الطيور لتأكل الحشرات نهارا، أما ليلا، فلا يبقى إلا ثلاثة حيوانات ليلا، البومة وتأكل الجرذان والفئران بصورة رئيسية وقد تأكل بعض الحشرات، وأبو عمي، وهو طائر مهاجر، فلا يبقى لدينا سوى الخفاش ليساهم بصورة كبيرة في القضاء على العث والديدان والبعوض وغيرها من الحشرات الليلية، فقد خلق لحمايتنا".

وأضاف: "يأكل الخفاش كل ليلة بقدر وزنه من الحشرات، أي إن كان وزنه عشرة غرامات فهو يأكل الآلاف منها، ووفقا لتقرير الأمم المتحدة فإنه يوفر 2.36 مليون طن من المبيدات الحشرية سنويا، وكل ليلة يأكل الخفاش الواحد بالمعدل 4 آلاف حشرة وهي خلال ساعتين عند المغيب، وساعتين قبل شروق الشمس، ووفقا لإحصاءات 2010 فإن الملاريا قتلت 655 مليون إنسان، فهنا يمكن تصور ما يجنب الخفاش من أمراض وأوبئة بالسيطرة على أعداد الحشرات".

 

 







مقالات ذات صلة