ما هو الإكتئاب ولماذا تزداد أعداد المصابين به؟

مشاركة


صحة وجمال


   خاص Elissar News

       جاء انتحار الشيف العالمي والمكافح للعدالة من أجل المرأة "أنتوني بوردين" Anthony Bourdain، وهو مقدم البرنامج الشهير Parts Unknown لصالح قناة  CNNشنقا في 8 حزيران (يونيو) عن عمر 61 عاما، في غرفة في أوتيل في ستراسبورغ خلال عمله على حلقة جديدة من برنامجه صاعقا على محبيه ومتابعيه، "وهو الذي كافح الاكتئاب لسنوات طويلة ولكنه انهار وخسر المعركة أخيرا"، وفقا لصديقته المقربة وحبيبته آسيا أرجنتو Asia Argento التي ساعدها لتواجه مشاكلها النفسية الخاصة بعد تعرضها للإعتداء الجنسي.

وفي صحيفة "الغارديان" وقبل انتحار بوردين بأربعة أيام تساءلت الصحافية  Juliette Jowit في مقالة بعنوان "ما هو الإكتئاب ولماذا تزداد أعداده؟" What is depression and why is it rising? عن أسبابه، ولماذا نشهد زيادة في أعداده وفي حالات الإنتحار الناتجة عن المعاناة منه، ومن هم أكثر المعرضين لهذا المرض، وما هي العلاجات؟

وللإفادة العلمية قمنا في موقعنا Elissar News بترجمة هذا المقال الهام حول الإكتئاب، والذي يعاني منه الكثير من اللبنانيين، والذي يؤدي في حالات منه إلى ما نسمعه يوميا من حالات الإنتحار التي تطاول العديد من الأشخاص في لبنان وفي الوطن العربي ومن كافة الأعمار، فوفقا لإحصاءات وزارة الصحة اللبنانية هناك ما بين 4.4 و5.5 بالمئة من اللبنانيين يعانون من أعراض متفاوتة من القلق Anxiety والإكتئاب وهما الإضطرابان النفسيان الأكثر انتشارا في لبنان!

      ما هو الإكتئاب؟

      قد لا يظهر الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب بوجه مكفهر، أو يبكون دون سبب أو استفزاز، ويعرّف موقع MentalHealth.gov، وهو موقع حكومي أميركي الإكتئاب على أنه "فقدان الاهتمام في أجزاء مهمة من الحياة"، وتشمل أعراضه الأكل أو النوم كثيرا أو قليلا جدا، الابتعاد عن الناس والأنشطة المعتادة، والطاقة المستنزفة أو انعدام الشعور بالأمور والاحساس بالخدر أو أن لا شيء يهم، والشعور بالارتباك على نحو غير عادي، أو النسيان، أو الغضب، أو القلق أو الخوف ؛ والتفكير في إيذاء النفس أو الآخرين.

       ووصفته حملة  Mindفي المملكة المتحدة بأنه: "يبدأ الأمر بالحزن، ثم الشعور بالإنغلاق، ويصبح الشخص أقل قدرة على التأقلم، وفي نهاية المطاف ، يشعر بالخدر والفرار من كل شيء".

       وكثيرا ما يرتبط الاكتئاب بمشاكل صحية أخرى: على سبيل المثال، مرض مزمن، أو قلق، أو اضطراب الوسواس القهري obsessive compulsive disorder، أو انفصام الشخصية schizophrenia، كما يستخدم مصطلح  dysthymiaأو Persistent depressive disorder  أو الاكتئاب الطفيف على المدى الطويل وهذا النوع عادة ما يستمر عامين أو أكثر.

كم من الناس يعانون من الاكتئاب؟

لقد ارتفع الاكتئاب السريري إلى مستويات وبائية في العقود الأخيرة، وتحول من حالة قليلا ما تذكر في المجتمعات إلى ظاهرة نادراً ما تكون بعيدة عن الأخبار، والاكتئاب منتشر على نطاق واسع في الفصول الدراسية وقاعات الاجتماعات ومخيمات اللاجئين والمدن الداخلية والمزارع والضواحي.

وقدرت منظمة الصحة العالمية أو World Health Organization وتعرف اختصارا بـ WHO في عام 2015 أن أكثر من 300 مليون شخص يعانون من الاكتئاب أي حوالي 4 في المئة من سكان العالم، كما أن النساء أكثر عرضة للاكتئاب من الرجال.

ويعتبر الاكتئاب الإعاقة العالمية الرائدة، والاكتئاب الأحادي القطب (على عكس القطب) هو السبب الرئيسي العاشر للموت المبكر، كما أن العلاقة بين الانتحار (وهو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاما) والاكتئاب واضح، وفي كافة أنحاء العالم ينتحر شخصان كل دقيقة.

في حين أن معدلات الاكتئاب وغيره من حالات الصحة العقلية الشائعة تختلف اختلافاً كبيراً  بين البلدان، إلا أن الولايات المتحدة هي البلد الأكثر "اكتئابا" في العالم ، تليها كولومبيا وأوكرانيا وهولندا وفرنسا وبنسب متراقبة. ومن جهة أخرى فالأقل اكتئابا، اليابان ونيجيريا والصين.

سبب هذا الإختلافات

      دفعت هذه الإختلافات الكبيرة في أعداد المصابين بالإكتئاب بين الدول البعض إلى وصف الاكتئاب بأنه "مشكلة عالمية في دول العالم المتقدم" أو "ترف" البلاد الغنية، والمنطق يقول أنه إذا كنت تحدق من خلف بندقية أو كنت لا تعرف من أين تستطيع تأمين الوجبة التالية، فلا يوجد لديك وقت لا للتفكير ولا للتأمل.

وتشير الأبحاث الحديثة إلى أسباب لا حصر لها للإكتئاب، العديد منها متداخل، لا سيما في البلدان الأقل نموا، فغالبا ما تفتقر هذه الدول إلى البنية التحتية لجمع البيانات عن الاكتئاب، فضلا عن كونها أقل عرضة للاعتراف به كمرض، ومن المرجح أيضا أن يشعر الناس في هذه البلدان بوصمة عار اجتماعية عند الحديث عن مشاعرهم، ويترددون في طلب المساعدة المهنية.

كما أن الإحصائيات ليست بسيطة لدرجة اعتبار أن الغنى مرادف للاكتئاب والفقر عكس ذلك، وفي هذا المجال فإن دراسة في مجلة Plos Medicine أظهرت أن غالبية البلدان لديها معدلات مماثلة من الاكتئاب، كما وجد أن معظم الدول المكتئبة هي في أوروبا الشرقية، وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، وطبقاً للبلد ، فإن أعلى معدل للسنوات المفقودة بسبب العجز بسبب الاكتئاب هو في أفغانستان، وأدنى معدل في اليابان.

أسباب الإكتئاب

لقد تحسنت الأمور من زمن كان يُعتقد أن الأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي بأنهم تملكهم الشيطان، وبالتالي يستبعدهم الناس من مجتمعاتهم المحلية، أو يُعتقد أنهم يُعانون من السحر، وعلى الرغم من ذلك لا يزال هناك سوء فهم واسع النطاق للمرض، لا سيما استمرار تذكير الأشخاص المصابين بالاكتئاب من قبل أفراد المجتمع بأن "يتماسكوا" أو "يخرجوا أكثر من قواقعهم".

وقد قدم الطبيب النفسي الدكتور تيم كانتوفر Tim Cantopher رأي متباين في كتابه "الاكتئاب: لعنة القوي".

ويطرح كانتوفر نظرية، بأن هناك جزءا من الدماغ يسمى النظام الحوفي Limbic system والذي يعمل مثل منظم الحرارة، يتحكم في وظائف الجسم المختلفة - بما في ذلك الحالة المزاجية - ويستعيد التوازن بعد الصعود والهبوط الطبيعي في الحياة. والنظام الحوفي هو عبارة عن دائرة من الأعصاب، تنقل إشارات إلى بعضها البعض عن طريق مادتين كيميائيتين، السيروتونين والنورادرينالين، ويعاني الأشخاص المصابون بالاكتئاب من نقص فيها، ووفقا لهذا الوصف ، فإن المرض الاكتئابي هو في المقام الأول مرض جسدي وليس عقليا.

ويقول كانتوفر أنه، عندما نكون تحت الضغط، يستسلم الناس الضعفاء أو الكسالى بسرعة، فيما يواصل الناس الأقوياء، ويضاعفون جهودهم، ويقاتلون أي ضغوط للإستسلام، وبهذا يدفعون النظام الحوفي إلى نقطة الانهيار. ومع ذلك، لا يوجد أي دليل علمي يدعم هذه النظرية ، لأنه من المستحيل التجربة على الأدمغة الحية.

أما الأسباب الأخرى المتفق عليها كأسباب للإكتئاب منها صدمة ما أو إساءة مسبقة من أي نوع، بالإضافة إلى الاستعداد الوراثي للاكتئاب، والذي قد يكون أو لا يكون في تاريخ العائلة، وضغوط الحياة، بما في ذلك المشاكل المالية أو الفجيعة، ألم أو مرض مزمن، الإدمان على المخدرات، بما في ذلك الحشيشة والإكستاسيecstasy  والهيروين.

ورافق موضوع أسباب الإكتئاب كثير من الجدل والنقاش، وهناك مدرسة فكرية تعتقد أن الإجهاد الشديد أو بعض الأمراض يمكن أن يؤدي إلى استجابة مفرطة من جهاز المناعة، ما يسبب التهابا في الدماغ ، والذي بدوره يسبب الاكتئاب.

علاجات الإكتئاب

       تقدر منظمة الصحة العالمية أن أقل من نصف الأشخاص المصابين بالاكتئاب يتلقون العلاج، وسيحصل الكثير على مساعدات إنما غير كافية، وغالباً ما يتركز العلاج على الأدوية الصيدلانية، مع استثمار قليل في العلاجات الحوارية، والتي تعتبر هامة بصورة كبيرة لعلاج الإكتئاب.

من بين العلاجات الدوائية للاكتئاب، فإن مضادات الاكتئاب الأكثر شيوعا هي مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRIs) التي تقلل من امتصاص السيروتونين، وتزيد من المستويات الكلية في الدم. أما آخر فئة مشهورة من هذه الأدوية فهي مانع إعادة امتصاص السيروتونين (SNRIs)، والتي تعمل على كل من السيروتونين والنورادرينالين.

أما العلاج الأكثر شيوعا وغير الدوائي، فهو العلاج السلوكي المعرفي، عبر التكلم عن المشاكل التي تؤدي إلى الإكتئاب، وتقسيم المشاكل الكبيرة إلى مواقف، وأفكار، وعواطف، ومشاعر تنعكس على الجسد، وأساليب لمحاولة كسر حلقة الأفكار السلبية.

وهناك أنواع أخرى هي العلاج بالحديث والتكلم عن المشاكل بين الأشخاص ضمن مجموعات، والتفعيل السلوكي behavioural activation ، والعلاج النفسي الديناميكي Psychodynamic psychotherapy وعلاج الأزواج. ويمكن استخدام جميع علاجات التحدث عن المشاكل لوحدها، أو مع العلاج الدوائي.

وبعيدا عن النهج الطبي في علاج الإكتئاب، يمكن للأطباء وصف النشاط البدني أو العلاج بالفن، في حين يختار بعض المرضى العلاجات البديلة أو التكميلية، وأكثر هذه شعبية العلاجات العشبية مثل عشبة سانت جون ورت  St. Johns Wort*، التركيز الكامل mindfulness واليوغا.

اتجاهات الإكتئاب

       على الرغم من العلاجات المختلفة، إلا أن الإكتئاب وأعداد المصابين به يزداد، فبين الأعوام 2005 و2015، ازدادت حالات المرض النفسي بمقدار الخمس، لا سيما بين الأشخاص المولودين بعد العام 1945 حيث وفقا لمنظمة الصحة العالمية، نسبتهم 10 أضعاف غيرهم من أفراد المجتمع، وهذا يعكس وفقا للمنظمة أيضا كلا من النمو السكاني والزيادة التناسبية في معدل الاكتئاب بين أكثر الفئات تعرضا للخطر.

ومع ذلك، انخفضت معدلات الانتحار على مستوى العالم بنحو الربع، فإنه في العام 1990، كان المعدل 14.55 لكل 100 ألف شخص، وفي عام 2016 انخفض المعدل إلى 11.16 لكل 100 ألف.

وأحد الأسباب الرئيسية للزيادة المستمرة في مرض الاكتئاب هو أن الأدوية لا "تشفي" المريض بالضرورة، فيما العلاجات الأخرى التي يمكن أن تحدث الاختلاف الجذري لا تكون في العادة متوفرة.

وتشمل الأسباب الأخرى التي تُعطى للزيادة المستمرة في مرض الاكتئاب شيخوخة السكان (فالأعمار من 60 إلى 74 عاما أكثر عرضة للمعاناة من الفئات العمرية الأخرى)، وارتفاع الإجهاد والعزلة.

 

ماذا بعد؟

 

لم يتم تطوير أي عقاقير مضادة جديدة للاكتئاب في السنوات الـ 25 الماضية، ما أجبر الأطباء النفسيين على البحث عن مواد أخرى.

وكانت هناك تجارب إيجابية باستخدام كل من عقار الكيتامين Ketamine وعقار سيلوسيبين psilocybin، والأخير هو المكون النشط في الفطر السحري magic mushrooms. وقد أثيرت الآمال الأخيرة لجيل جديد من العلاجات من خلال اكتشافات حديثة لـ 44 نوعا من الجينات يعتقد العلماء أنها تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب، وهناك مجال آخر مثير للجدل من البحوث هو علاج لانخفاض المناعة ودراسة موسعة للروابط بين الاكتئاب والالتهابات.

وبدأت البلدان تدرك بشكل متزايد الحاجة إلى تدريب المزيد من علماء النفس على استبدال أو استكمال العلاجات الدوائية، وربما الأهم من ذلك، أن هناك اتجاه متطور في المجتمع بشكل يسهل على الناس طلب المساعدة والتحدث عن مرضهم.

بعض أبرز قادة هذا التحول هم أمراء المملكة المتحدة، ويليام وهاري، اللذان أنشاءا الجمعية الخيرية Heads Together وتحدثا علنا ​​عن مشاكلهما الخاصة، وهناك مشاهير آخرون تحدثوا في الآونة الأخيرة عن معاناتهم منهم المصارع والممثل دواين "الصخرة" جونسون Dwayne The Rock Johnson، وتكلم عن معاناته من مرض الاكتئاب، وتحدثت المغنية الشهيرة ماريا كاري Mariah Carey عن اضطراب المزاج ثنائي القطبbipolar disorder .

*علاج عشبة سانت جون ورت  St. Johns Wortهي علاج تقليدي عشبي للإكتئاب، ولكن هناك عدة محاذير لاستخدامها.







مقالات ذات صلة